مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

عبقرية اللهجة

من عبقرية ونوادر وعجائب لهجتنا الحجازية: أن كلمة واحدة من ثلاثة حروف، قد تدل على أكثر من عشرة معاني، وهي كلمة: «طيب».
فطيب تعني: تم أو علم، وطيب تعني: أوريك أو أفرجيك باللهجة اللبنانية، وطيب تعني: إيش أسوي لك أو ماذا أفعل لك؟! وطيب تعني: وبعدين إيش صار؟! أو إديني الهرجة، وطيب تعني: أنه مندمج بالحكاية ومستغرب منها في الوقت نفسه، وطيب تعني: حاضر وعلى رأسي أنت تأمر، وطيب تعني: الإعجاب بطعامة الأكل اللذيذ، وطيب تعني: أن فلان رجل جيد وملو هدومه، وطيب تعني: أنني بخير وصحتي ولله الحمد زي البمب، وأخيراً طيب تعني: المستشار اللوذعي محمد سعيد طيب.
الروعة في هذه الكلمة المتعددة المعاني والاتجاهات والاستعمالات هي «نبرة الصوت» السحرية وتعبير الملامح، وأن كلمة طيب هذه هي التي تخليك تعرف دي لإيش، ودي لإيش، دون أن تحتاج إلى ترجمة أو الخوض بالتفاصيل.
والآن طيب: هل فهمتو، واللا مو؟!
**
أحد الأصدقاء ممن أمون عليهم، ما إن جلس على الكرسي في المقهى الذي تقابلنا فيه، حتى وصلته رسالة على «الواتساب»، ففتحها وهو يقول: يا رزاق يا كريم، وأخذ يقرأها في سره أكثر من مرة، ثم التفت لي يسألني قائلاً: لو سمحت أريد أن أستعين بصديق ليحل لي هذه «الفزورة»، وإذا به يناولني جواله قائلاً لي: بالله عليك اقرأ هذه الرسالة التي بعثت بها زوجتي المصون، وإذا فهمتها أرجوك اشرحها لي، وأخذت أقرأ متلعثماً وبصوت مرتفع مما كتبته المدام، وجاء فيه:
وأنت راجع للبيت يا حبيبي، جيبلي معاك لو سمحت هايلايتر، وكونسلير، وفيكس بلاس، وكومباكت باودر، وميسترايزر، وسيكراب، وليب لاينر، ومرسي يا حياتي، وانتبه لنفسك.
وعندما لاحظ أن حواجبي مرفوعة على الآخر، دلالة على جهلي بأي كلمة وردت في تلك الرسالة، عندها استرد جواله من يدي، وهو يتجه برأسه للقبلة ويرفع يديه ويدعو قائلاً: اللهم إن كان هذا سحراً فأبطله، وأخذت أردد وراءه: آمين، آمين، آمين.
**
بعث لي أحدهم هذه «التغريدة» التي تكتب بماء الزعفران المنتهية صلاحيته - وهذا الشخص بالمناسبة نطلق عليه تندراً اسم: «أبو العرّيف» - فكلامه لا فض فوه كله نصائح مجانية ساذجة، تصلح لأن يتعلم منها الأطفال، وجاء في تغريدته الخطيرة:
«لا تكن (عنباً) فيلتهمونك، وكن (برشومياً) وما يهمونك».
وما إن قرأتها حتى رددت عليه قائلاً: المشكلة أنني شاهدت أحدهم يأكل ثمرة البرشومي بقشرتها وهو يضحك، فماذا أفعل مع هذا يا فالح؟!