د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

العرب واليونيسكو وردم الفجوة المعرفية

فوز السعودية والإمارات وتونس بعضوية المجلس التنفيذي لليونيسكو، سيكون دفعة جديدة لليونيسكو، فالدول الثلاث لها تاريخ طويل مع التربية والتعليم والثقافة والاهتمام بها والإنفاق عليها لا يمكن إنكاره أو القفز عليه في العالم العربي، فهو اختيار عن استحقاق.
فالسعودية والإمارات وتونس، فازت بعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو بعد أن تحصلت السعودية على أكبر عدد من الأصوات بلغ 130 صوتاً، تلتها الإمارات بـ107 أصوات، ثم تونس بـ103.
هذا الاستحقاق والفوز وضع السعودية وشقيقتيها العربيتين في المكان الطبيعي في مجال الثقافة والعلوم بين دول العالم، وكما وصفها وزير الثقافة السعودي: «إن هذا الفوز يضع المملكة في مكانها الطبيعي». فهذا الفوز سيمكن الدول العربية الثلاث من المشاركة في صناعة واتخاذ القرارات على مستوى المنظمة.
فمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة واختصاراً بالـيونيسكو (UNESCO)، هي وكالة تتبع منظمة الأمم المتحدة تأسست عام 1945، من أهدافها تحقيق التعليم الجيد للجميع، وتحقيق تنمية مستدامة.
فالسعودية التي تدفع بقوة نحو التوجهات في إدارة العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وزيادة الإنفاق في التعليم وبخاصة العالي حتى أصبحت جامعتا الملك عبد العزيز والملك سعود من بين أهم 500 جامعة على مستوى العالم وفق تقرير اليونيسكو.
المملكة العربية السعودية التي أنفقت على التعليم عامة والعالي خاصة، منذ المؤسس الملك عبد العزيز إلى الإصلاحي الملك سلمان، حيث ارتفعت لديها نسبة الابتعاث للدراسة في الخارج، ووفرت مقاعد دراسية لطلبتها في كبرى جامعات العالم، في محاولة لتطوير تعليمها الداخلي عبر تطويره من خلال كفاءات محلية تدربت في الخارج.
من قلاع العلم في السعودية مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا وهي إحدى قلاع المعرفة التي تعتبر من أهم روافد تطوير قاعدة البيانات الوطنية.
السعودية التي قامت ببناء 6 مدن حقول خضراء ومناطق صناعية من شأنها توفير 1.3 وظيفة للسعوديين، هي التي تنفق أكثر من 20 في المائة من إجمالي الدخل العام على التعليم يعتبر مؤشراً مهماً على مستوى الإدراك لأهمية التعليم، فالإنفاق الحكومي على المؤسسات التعليمية العامة والخاصة والإعانات المالية في مجال التعليم محلياً وعربياً ودولياً لمؤسسات تعليمية وأسر طلاب، جميعها تؤكد استحقاق السعودية، ليس فقط لعضوية تنفيذي اليونيسكو، بل يؤهلها لرئاسة اليونيسكو، وخاصة أنها إحدى الدول المشاركة في تأسيس منظمة اليونيسكو.
وتأتي الإمارات العربية، رافداً آخر مهماً للثقافة العربية والعالمية، من خلال فوزها بعضوية تنفيذي اليونيسكو. فالإمارات العربية التي من بين أهم الدول العربية اهتماماً بالتعليم والتعلم والبحث العلمي والإنفاق عليه، منذ تولى حكمها الشيخ زايد، وسياسة التعليم والابتكار والبحث العلمي في الإمارات في تطور مستمر، من خلال الهيئة الوطنية للبحث العلمي والشراكة البحثية مع جامعات العالم، نحو تحقيق وتطوير اقتصاد معرفي منافس.
تونس الشريك العربي الثالث في تنفيذي اليونيسكو، تعتبر من الدول العربية التي حققت نقلة نوعية في مجال التعليم والتعلم والثقافة، فلا يمكن أن يكون هناك محفل ثقافي في غياب تونس، التي حققت بالثقافة والتعليم ما لم تحققه بالاقتصاد في ظل شح مصادر التمويل، إلا أن تونس استطاعت أن تحقق مكانة مرموقة في مجال التعليم العام والجامعي منذ زمن برقيبة إلى الآن. فتونس رغم الظروف الصعبة، فإنها حققت استقراراً ونمواً معرفياً لا يمكن تجاهله، وحققت مستوى ثقافياً مرموقاً، لعله انعكس على وضعها السياسي في ظل مرورها ونجاتها من عاصفة فوضى الربيع العربي.
ونحن بهذا الفوز المستحق للدول العربية الثلاث السعودية والإمارات وتونس في تنفيذي اليونيسكو، نعول عليه في وضع سياسات وصناعة قرارات لعل من شأنها ستحقق نهضة معرفية في البلاد العربية، لتقشع بقايا غبار الجهل والتخلف، الذي تسبب فيه سلاطين الإمبراطورية العثمانية طيلة خمسة قرون من استعمار بلاد العرب.