بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

الولايات المتحدة والتعامل مع التهديد الإيراني

بعد أن استخدم الرئيس الأميركي دونالد ترمب كافة أوراق اللعب الموجودة لديه، في وقت مبكر للغاية، في قضية البرنامج النووي الإيراني، فإنه لم يعد لديه سوى يدٍ ضعيفة لمواجهة التهديد الجديد الذي تفرضه طهران، حيث تحذر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) من أن النظام الإيراني سيقوم بشراء أسلحة تقليدية متقدمة، مثل الدبابات والطائرات النفاثة، قرب نهاية العام المقبل، وذلك عندما ينتهي الحظر المفروض عليه من الأمم المتحدة بشأن شراء الأسلحة.
وكانت طهران قد حصلت على موافقة الأمم المتحدة بشأن تسوية بموجب صفقتها النووية في 2015 مع القوى العالمية، تفيد بأنه ابتداءً من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، يمكن للنظام في طهران شراء الأسلحة التي لا يقوم بتصنيعها، وتجري الأخيرة بالفعل محادثات مع روسيا لشراء مقاتلات من طراز إس.يو-30، وطائرات تدريب من طراز ياك-130، ودبابات من طراز تي-90، وأنظمة الدفاع الجوي إس-400، وأنظمة باستيون الروسية للدفاع الساحلي، كما أنها قد تلجأ أيضًا للسوق الصينية لشراء المعدات العسكرية.
وتحاول إدارة ترمب حشد الدعم لتمديد فترة الحظر على الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على طهران، وفي اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير، حذر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، من أن السماح لإيران بالوصول إلى أسلحة متطورة سيؤدي بدوره لـ»خلق اضطرابات جديدة» في الشرق الأوسط.
ويبدو أن بومبيو كان محقًا فيما قاله، فقد استخدمت إيران قوتها وقدراتها العسكرية الحالية لدعم الرئيس بشار الأسد في سوريا، ولتسليح حزب الله في لبنان، والميليشيات التابعة لها في كل من العراق واليمن، كما أنها على الأرجح ستستخدم الأسلحة الجديدة لتقوية هذه الجماعات، وفرض التهديدات على الدول الأخرى في المنطقة.
لكن لا يمكن لوزير الخارجية الأميركي أن يتوقع أي تعاطف مع موقف بلاده في مجلس الأمن، وذلك ليس فقط لأن اثنين على الأقل من الأعضاء الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض (الفيتو)، وهما الصين وروسيا، هما الدولتان المحتملتان لتزويد طهران بالأسلحة، ولكن لأنه من خلال انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية، وذلك رغم نداءات الموقعين الأخرى لها بعدم الانسحاب، قد يجعل إدارة ترمب في موقف لا يمكنها فيه الاعتماد على دعم فرنسا وبريطانيا لموقفها.
وصحيح ربما يستطيع السلاح الأقوى لدى الولايات المتحدة، وهو العقوبات الاقتصادية، أن يخيف معظم الشركات المصنعة للأسلحة، ولكن الاختبار الحقيقي سيكون عندما يتعين على الموردين الروس والصينيين الاختيار بين العقوبات الأميركية، والطلبات الإيرانية التي تقدر بمليارات الدولارات.
فالعقوبات الاقتصادية الأميركية ستجعل من المستحيل على هؤلاء الموردين القيام بأعمال تجارية داخل الولايات المتحدة، وستجعل من الصعب عليهم أيضًا بيع الأسلحة لهؤلاء الذين يريدون البقاء على علاقات جيدة مع الأميركيين، كما أنه يمكن أيضًا استخدام العقوبات بفعالية كبيرة ضد المسؤولين التنفيذيين، وحينها سيتعين على الأفراد أن يسعوا لاستخدام الضغوط السياسية من قبل موسكو وبكين من أجل عقد الصفقات.
ويبدو أن أفضل ما يمكن لإدارة ترمب القيام به اليوم هو تشديد العقوبات التي
تمنع النظام الإيراني من العديد من المعاملات المالية، حيث يمكننا أن نأمل في ألا يقوم مصنعو الأسلحة بالتعامل مع نظام لا يستطيع الدفع مقابل الشراء، وقد تضطر الولايات المتحدة أيضًا إلى إنهاء الإعفاءات بحق صادرات المواد الهيدروكربونية الإيرانية، وذلك لمنع عقد أي صفقات للنفط مقابل الأسلحة. ولكن هذا سيثير غضب الصينيين بشكل خاص، وذلك في وقت يحتاج فيه ترمب إلى تعاون بكين للحصول على صفقة تجارية جديدة.
إذن كيف قد تستجيب الصين وروسيا؟ قد يكون لديهما أسباب لمنع إيران من أن تصبح قوية عسكريًا، حيث تتنافس موسكو مع طهران على النفوذ في سوريا، وقد لا ترغب في وصول الأسد إلى الدبابات والطائرات الإيرانية، كما أن بكين قد ترى أن وجود طهران في صورة أقوى سيؤدي إلى تعطيل إمدادات النفط من الشرق الأوسط، والتي تعتبرها ضرورية للاقتصاد الصيني.
ومن شأن الخطوة الجريئة التي قامت بها طهران مؤخرًا لاستفزاز جيرانها العرب، حيث قامت بإرسال أسطول صغير إلى الساحل اليمني، وهو بمثابة تهديد أخرق، تماماً مثل التهديد الذي تفرضه في الخليج العربي، أن تجعل الصينيين غير مطمئنين.
ولكن السيناريو الأسوأ هو أن الصين وروسيا قد تنشئان آلية للتحايل على العقوبات الأميركية، ولتحدي التفوق الأميركي في النظام المالي العالمي، وهو ما جربه الأوروبيون سابقًا عن طريق استخدام نظام إنستكس الذي تم إنشاؤه لحماية تجارتهم مع إيران، لكن الأمر لم ينجح، وذلك لأنه لم تجرؤ أي شركة أوروبية على تحدي العقوبات الأميركية.
ولكن هل يكون مصنعو الأسلحة الروس والصينيون أكثر استعدادًا لتحمل المخاطر؟
يبدو أن ترمب وبومبيو لا يستطيعان فعل الكثير حيال الأمر سوى عقد السبابة والوسطى بإحكام (حركة تُستخدم لدى الغرب لجلب الحظ السعيد).

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»