سليمان الحربش
TT

الشمس تشرق على النفط كل يوم

لطالما كانت الطاقة، بجميع أشكالها، مكوِّناً حاسماً للتنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية عبر الأزمنة. فهي أساسيّة في تطور النوع الإنساني ومتجذِّرة في تكوين العلائق الاقتصادية والسياسية بين الدول. ومع ذلك، ينبغي أن نشير إلى أن الفجوة في الطاقة بين البلدان المتقدمة ونظيراتها النامية أو الفقيرة كانت تـزداد اتساعاً عبر السنين، وقد أفضى هذا إلى نشوء ما اصطُلح على تسميته بـ«فقر الطاقة» في بعض البلدان. وفي هذا الصدد، واجهت البلدان الفقيرة مشكلات بنيوية فاقمت من فقر الطاقة، وهو ما حفَّز التعاون على الصُعُد المحلية والإقليمية والدولية. لذلك، فإنَّ صَوغَ حلولٍ حسنة البناء ووضعَ أهدافٍ ملموسة من قبل الحكومات يُعدَّان متطلَّباتٍ مسبقة بُغية الوصول إلى مصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة على نحوٍ شاملٍ للجميع.
يمثل إعلان الرياض، وهو الإعلان الرسمي الصادر عن القمة الثالثة للدول الأعضاء في منظمة «أوبك» التي استضافتها المملكة العربية السعودية عام 2007. مثالاً هاماً على الجهود التي بذلت من أجل منح الأولوية لتحقيق التنمية المستدامة واجتثاث فقر الطاقة في البلدان النامية. وقد عمد صندوق «أوبك» للتنمية الدولية (أوفيد) إلى تأكيد هذا الالتزام، في الإعلان الوزاري بشأن فقر الطاقة، الذي أطلقه خلال قمة ريو+20 عام 2012. وتجدر الإشارة إلى أن «أوفيد» اعتمد مبلغاً حدُّه الأدنى مليار دولار لصندوق متجدد مخصص لتمويل «مبادرة الطاقة من أجل الفقراء»، بُغية تعزيز قدرته على مكافحة فقر الطاقة.
علاوة على ذلك، فإنَّ أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030. التي اعتمدتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 2015، تمثل خطة أساسية مصممة لتحقيق التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم، وإنجاز الرخاء المشترك في كوكب يسوده السلام، الأمر الذي يُعدُّ دعوة عاجلة إلى التحرك من جانب جميع البلدان. وعلى وجه الخصوص، فإنَّ الهدف السابع يتسق مع إعلان «أوفيد»، الذي سبق الأمم المتحدة إلى الاعتناء بهذه المسألة. وبوضع هذا الهدف، الذي ينص على «ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة»، تم أخيراً الاعتراف بالطاقة كعنصر تمكين رئيسي للتنمية، وهو ما لم تتوصل إليه الأهداف الإنمائية للألفية، التي لم تولِ أي اهتمام للحصول على الطاقة، ولا سيما في أفقر البلدان.
رغم المساهمة الهامة لاعتماد أهداف التنمية المستدامة في التخفيف من فقر الطاقة، فلا يزال نحو 1.2 مليار شخص يفتقرون إلى الكهرباء، ولا يزال نحو 40 في المائة من سكان العالم يعتمدون على الوقود الصلب، خاصة الحطب، لأغراض الطهو والتدفئة، وفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي صدر عام 2017.
وبالنظر إلى الحاجة الماسّة إلى الطاقة المتجددة وغير المتجددة من أجل تعزيز النمو الاقتصادي، فإنَّ إحدى طرائق التوفيق بين متطلبات الطاقة المتزايدة في الحياة المعاصرة، مع تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة في الوقت نفسه، تتمثل في استخدام الموارد غير المتجددة، وذلك، بأساليب كفؤة تنتج أقل قدر ممكن من الانبعاثات، إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة.
ولا بد من إحقاق ذلك من أجل الالتـزام بالمساهمات الوطنية المحددة على نحو ما اتفق عليه بعد اتفاق باريس خلال مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين. فعلى سبيل المثال، يمكن تحقيق هذا الهدف عن طريق التقليل من انبعاثات الكربون في قطاع الطاقة، وهو أحد القطاعات الأكثر تسبباً في الانبعاثات في المنطقة. ويمكن المساهمة في الوصول إلى القدر المرغوب من تقليل انبعاثات الكربون عن طريق زيادة حصة مصادر الطاقة المستدامة. كما يمكن تقليل حجم انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن محطات توليد الطاقة من الوقود الأحفوري، عن طريق احتجاز وتخزين الكربون بعد جمعه في المصدر. لذلك، فإنَّه يتعيَّن على شركات النفط الدولية أن تعمد إلى الاستثمار في كامل السلسلة من هذه القيم، وأن تطوِّر نماذج أعمال جديدة ومبتكرة من شأنها تمكينها من استخدام مصادر طاقة أكثر استدامة، مع تقليل تكاليفها التشغيلية، وكذلك التزام تلك الشركات ببرامج المسؤولية الاجتماعية. ولا بدّ أيضاً من تعزيز كفاءة الطاقة ووضع حدّ للهدر.
في الختام، تعتبر الطاقة المتجددة مصدراً مكملاً للنفط والغاز من أجل معالجة العجز في الحصول على الطاقة في البلدان الأقل نمواً، مع مراعاة وضع هذه البلدان، التي ليست جميعها قادرة على الانتقال مباشرة إلى التكنولوجيات القائمة على مصادر الطاقة المتجددة. لذلك، وجب التعاون مع المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية من أجل تخصيص جزء من مواردها للحد من فقر الطاقة، من خلال استخدام المصادر المتوفرة على نحو أنظف، مع اعتماد الكفاءة في جميع الحالات.
انسجاماً مع كل ما تقدَّم، فإن حكومة المملكة العربية السعودية تبذل كل ما في وسعها لمكافحة فقر الطاقة، بما في ذلك توفير الطاقة المتجددة كمصدر مكمل للطاقة التقليدية. وعلى المستوى السياسي العالمي، تستضيف المملكة قمة العشرين في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 2020، ولا بد أنها ستولي هذا الموضوع أهمية قصوى، باعتبار أن أول من نادى بهذا المطلب هو قمة «أوبك» الثالثة التي انطلقت من الرياض. وأستطيع أن أجزم أن موضوع القضاء على فقر الطاقة سيلقى مكانة تفوق ما حظي به من بيانات القمتين السابقتين في بوينس آيرس وأوساكا.
- المدير العام السابق لصندوق «أوبك» للتنمية الدولية (أوفيد)