شيرزاد اليزيدي
كاتب كردي
TT

العراق وخطر المس بالحقوق الدستورية

لا ريب أن المظاهرات الشعبية العارمة المطالبة بالتغيير والإصلاح التي يشهدها العراق منذ أسابيع هي نتاج احتقان وغبن مديدين، ونتاج تراكم الأخطاء والخطايا في إدارة دفة البلد وتسيير أموره، وتوزيع ثرواته، وحال الفساد المستشري.
والواضح، وبلا لبس من سحنات المتظاهرين وشعاراتهم، أنهم في جلهم عفويون وصادقون، دفعهم اليأس والقنوط وانسداد الآفاق للجوء إلى خيار التظاهر الجماعي والتضحية بالنفس، حتى في مواجهة العنف المفرط للسلطات، رفضاً للظلم والجور والفقر، لكن مع هذا لا يخفى أن ثمة توظيفاً ما وتحويراً بات يتصاعد لهذه المظاهرات بعيد انطلاقها من قبل عدة جهات داخلية وإقليمية، ولعل تحولها في بعض الأحيان إلى شكل من أشكال العنف والتخريب والسرقة والفوضى والاعتداء على المرافق والممتلكات العامة والخاصة للناس، خير مثال.
ولكي نتلمس حقيقة هكذا تدخلات بوضوح أكثر، حسبنا الإشارة إلى الدعوات لتعديل الدستور بل ونسفه من الأساس، على وقع المظاهرات التي تسعى بعض الجهات الشوفينية والعنصرية عبر إطلاقها الانقلاب على الدستور الناظم والمؤسس للعراق الجديد، وخاصة على مكاسب الكُرد وحقوقهم الدستورية في سياق خلط الأوراق وتسعير النعرات ضد الشعب الكُردي، في حين أن الواقع على الأرض يثبت أن محدد التظاهر الجماهيري وبوصلة السخط الشعبي العارمين الآن في العراق العربي إن صح التعبير بالدرجة الأولى، قضايا معيشية وخدمية وحياتية يومية تمس كل مواطن عراقي، ولا علاقة لها بفزاعة البعبع الكُردي هذه المرة، بعكس ما جرت العادة حين كان يتم النفخ السلطوي في ذاك البعبع الوهمي للتغطية على استحقاقات الإصلاح والتحول الديمقراطي البنيوي، بذريعة التصدي للانفصالية الكُردية وغير ذلك من دعاوى متهافتة.
لا ريب أن الخلل ليس في الدستور الذي يعتبر أقله وفق مقاييس منطقتنا دستوراً عصرياً متقدماً بما لا يقاس بل العكس صحيح، فعدم تطبيقه نصاً وروحاً وتفعيله أحد الأسباب البنيوية لحال الفشل الذي يعيشه العراق بعد نحو عقد ونصف من انهيار الديكتاتورية البعثية الصدامية، ويبقى المهم هنا ألا تنجر القوى العربية الرئيسية في العراق شيعية وسنية إلى الذهاب لحد الطعن في حقوق الكُرد الدستورية، أو محاولة قصقصتها وتحجيمها، ففي هذه الحال سنكون أمام تهديد جدي وحقيقي لوحدة العراق وسلمه الاجتماعي ونظامه الفيدرالي الديمقراطي، ولتوسيع دوائر العنف والاضطراب والحرب الأهلية. فالكُرد انتزعوا حقوقهم تلك بأنهار من الدم والدمع، ولم يتصدق بها عليهم أحد كمكون رئيسي وأساسي للعراق، وأي انتقاص تالياً من حقوقهم ومن كيانيتهم الإقليمية الفيدرالية سينعكس سلباً على العراق المأزوم أصلاً.
من هنا، فإن الموقف الكُردي المبدئي والمتوازن الداعي إلى احترام الدستور والالتزام به، وجعله المحك والمرجع للحل والتوافق وفي حال تعديله عدم المس بصلاحيات إقليم كردستان، وبالنظام الفيدرالي اللامركزي وبحقوق الشعب الكُردي المثبتة في الدستور، ينبغي أن يقابل بالتفهم والتأييد على المقلب الآخر.
فإن كان الهدف من التعديل الدستوري المزمع احتواء الأزمة الوجودية المتفجرة ومعالجة مسبباتها ومقدماتها، فمن البديهي والحال هذه عدم افتعال أزمات أشد وأثقل وطأة كمحاولة نسف مقاربة الحل الديمقراطية الحضارية للقضية الكُردية في بلاد الرافدين، والمؤطرة دستورياً، التي لطالما كانت مضرباً مثل التعاطي الإيجابي والعقلاني البناء مع هذه القضية، بعكس بقية الدول المقتسمة لكُردستان، التي ما زالت تجتر حلول التطهير العرقي على ما هي مثلاً حال إردوغان، الذي لا يكتفي بمحاربة الكُرد في الداخل ورفض حقوقهم المشروعة في كُردستان تركيا، بل حتى في الخارج... وما سياساته وحروبه العدوانية التوسعية ضد أكراد سوريا وعموم الشمال السوري من «غصن الزيتون» الدموي في عفرين، إلى نبع الدواعش المسمى تمويهاً ودجلاً «نبع السلام» في سري كانييه - رأس العين وأخواتها، سوى خير برهان.
- كاتب كردي