وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

لماذا العداء تجاه اكتتاب أرامكو؟

منذ أن أعلنت أرامكو السعودية عن نيتها طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام الأحد الماضي، وأنا أتلقى نفس السؤال من العديد من الأشخاص المهتمين بالاكتتاب، وهو: «هل ترى فائدة في أننا نشتري أسهم الشركة في الاكتتاب؟»، والسؤال الذي يليه مباشرة هو: «ما حجم المبلغ الذي أستثمره في اكتتاب الشركة؟».
هذه الأسئلة تعكس مخاوف الأشخاص العاديين الذين نلقاهم كل يوم في حياتنا العامة وليسوا متخصصين في مجال النفط ولا يعرفون شيئا عن هذا الجزء من الاقتصاد، ولكنهم يعرفون شركة أرامكو السعودية لأنها المصدر الرئيسي لدخل المملكة العربية السعودية.
أن أرى مخاوف من أشخاص ليسوا متخصصين ولا يعرفون شيئا عن النفط أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن تتحول المخاوف من الاستثمار في أرامكو إلى عدائية متزايدة؛ وهو ما أراه لدى بعض المحللين والصحافيين وكتاب رأي في الغرب تجاه طرح أرامكو.
من اليوم الأول لإعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن نيته طرح أسهم أرامكو السعودية، والكل يتساءل لماذا؟ ومن هنا بدأت التكهنات.
توجد أسباب معلنة، مثل زيادة شفافية الشركة ورفع مستوى حوكمتها مثلما أوضح ولي العهد، ولكن هذا الأمر لم يقنع الكثير في الغرب، والغالبية رأوا أن رغبة السعودية في الطرح ناجمة عن أمرين، الأول هو الحصول على تمويل لمشاريع الرؤية العملاقة، والأمر الثاني هي محاولة لتسييل أصول النفط قبل أن ينتهي عصر النفط.
بالنسبة للأمر الأول، لا أرى ضيراً أن يسعى اقتصاد نفطي إلى الاعتماد على أموال النفط من أجل تنويع مصادر الدخل وتمويل مشروعات لتحويل البلد إلى اقتصاد غير نفطي. الأمر الثاني هو ما نحاول فهمه... إن الحديث عن نهاية عصر النفط حديث قديم يتجدد عند كل خبر عن زيادة نسبة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء عالمياً أو أي خبر عن زيادة مبيعات السيارات الكهربائية.
والحقيقة التي يجب أن نعرفها كلنا أن عصر النفط سيظل لعقود طويلة، وأي تحول من النفط إلى المصادر الأخرى سيأخذ سنوات طويلة جداً. يوجد على الأرض سبعة مليارات من البشر ومئات الملايين من السيارات ووسائل النقل التي تعتمد على النفط أو الغاز الطبيعي. ومبيعات السيارات الكهربائية لا تشكل اليوم سوى نسبة صغيرة جداً من هذا السوق. ولهذا لا أرى أن نهاية عصر النفط سبب مقنع.
وانتقل الهجوم على الاكتتاب لاحقاً إلى نواحٍ أخرى، مثل تقييم أصول الشركة والتي تراها المملكة عند تريليوني دولار، ويراها بعض المحللين عند تريليون إلى 1.5 تريليون دولار. في الحقيقة التقييم يخضع لعوامل كثيرة، ونشرت بلومبيرغ خبراً أن التقييم من قبل المصارف الكبرى عالمياً يتذبذب بين أكثر من تريليوني دولار إلى 1.3 أو 1.5 تريليون دولار. كل هذا الانتقاد مصدره في أغلب الأحيان هو كراهية تجاه عاملين، الأول هو النظام السعودي والثاني هو النفط. وغالبية الكتاب لديهم كراهية لأحد أو كلا العاملين.
وهناك صنف من الكتاب لا أفهمه وعدائيته غير مفهومة، ولعل أكثر مقال يمثل هذا الصنف هو المنشور في موقع مجلة فوربس تحت عنوان «10 أسباب لعدم الاستثمار في اكتتاب أرامكو» والذي كتبه أحد العاملين في المجلة من تكساس اسمه كريستوفر هيلمان.
إن مقال هيلمان مليء بالمتناقضات المحيرة، فهو يدعو لعدم الاستثمار في شركة نفطية مثل أرامكو السعودية، وأن العالم ليس بحاجة لها. وفي نفس الوقت لا يجد حرجاً في الدعوة إلى الاستثمار في شركات النفط الصخري في تكساس، وهنا يبدو واضحاً التحيز في الطرح؛ إذ أن المسألة ليست مرتبطة بنشاط الشركات، ولكن في «موقعها الجغرافي».
أعود للإجابة عن التساؤلات في بداية المقال من قبل المواطنين، وأقول لهم إن اكتتاب أرامكو فرصة تاريخية لكل مواطن سعودي لامتلاك حصة من الشركة التي تدير ثروات بلده، وهذه الحصة ستتوارثها الأجيال من بعدكم. الأمر الآخر، نعم نحتاج اكتتاب أرامكو حتى تتغير أرامكو وتصبح مثل أي شركة دولية تفصح عن نشاطاتها ونستطيع مراقبتها، وبالتالي المطالبة بتحسين أعمالها، حيث لن يستطيع أحد إخفاء الخسائر في الأنشطة والاستثمارات غير الناجحة في ظل التوسع في مجالات عمل الشركة ودخولها في مجالات جديدة. ولا يوجد داع للقلق من عصر النفط، فهذا العصر سيستمر لعقود، واحتمالية ارتفاع أسعار النفط هي أعلى من احتمالية هبوطها في نظري لأن المعروض النفطي في العالم أصبح أكثر تكلفة مع الحفر في المياه العميقة والتكسير الهيدروليكي واللجوء للنفوط الثقيلة والمكامن الصعبة، في الوقت الذي يزيد فيه عدد سكان العالم وتتحسن فيه معيشتهم. وهذا يعني دخلا أفضل لشركة أرامكو التي هي اليوم بالفعل أعلى شركة في العالم من ناحية الربحية بأرباح العام الماضي عند 200 مليار دولار (قبل احتساب الضريبة)، وهذه ليست أفضل السنوات لسعر النفط.
ويبقى سؤال واحد لا أستطيع الإجابة عنه، وهو حجم الاستثمار في اكتتاب الشركة... وهذا يخضع لكل شخص وإمكاناته، ولكن القاعدة العامة في الاستثمار معروفة «لا تضع كل البيض في سلة واحدة».

تصويب: ورد في نسخة أولى من المقال أن الأرباح الصافية لشركة {أرامكو} العام الماضي بلغت 200 مليار دولار، والصواب أن هذا الرقم ليس ربحاً صافياً، لكنه حجم الأرباح قبل احتساب الضريبة.