{مت قاعد}!

الرجل المتقاعد يجب ألا يستسلم للدعة واليأس، و(يكبر المخدّة) ويصبح من دجاج الدار، بل عليه أن يشمّر عن أكمامه، ويشد مئزره، ويسعى في مناكبها، فالكسلان مهما ظلّ فاتحاً فمه فلن ينزل الطعام فيه من السماء.
وسأضرب لكم مثلاً برجل بريطاني متقاعد، خطرت على باله فكرة عملية جهنمية، لا يقدم عليها إلاّ من أوتي قلب أسد وعقل ثعلب، وإليكم مكتب أو مسرح العمل:
ففي خارج حديقة حيوان بريستول في بريطانيا توجد ساحة لوقوف السيارات تتسع لـ150 سيارة و8 حافلات، وعلى مدى 25 عاماً كان يدير هذه المواقف رجل لطيف يقوم بتحصيل الرسوم (1.40 جنيه إسترليني) عن كل سيارة و(7 جنيهات) عن الحافلة، وفي أحد الأيام لم يعد مراقب الموقف يحضر للعمل لذا اتصلت إدارة حديقة الحيوان بالبلدية تطلب إرسال موظف آخر لإدارة ساحة الموقف.
وبعد بحث ردت البلدية بأن ساحة المواقف هي من مسؤولية حديقة الحيوان، فعادت الحديقة تسأل: ولكن الموظف الذي كان يدير المواقف هو الذي أكد لنا أنه من موظفي البلدية! فردّت البلدية بأنه لا يوجد في سجلاتها وظيفة مراقب مواقف لحديقة الحيوان!
وفي هذه الأثناء على ما يبدو فإن بطل القصة يجلس الآن في فيلته على سواحل إسبانيا أو جنوب فرنسا أو إيطاليا – والله أعلم - بعد أن ركّب على مدى ربع قرن نظاماً خاصاً به لتحصيل وتسلم هذه الرسوم من زوار الحديقة، بما معدله 560 جنيهاً في اليوم لمدة 25 سنة، وبحساب 7 أيام في الأسبوع يكون هذا الرجل اللطيف قد حصل على ما يتجاوز 7 ملايين جنيه إسترليني، والطريف أنْ لا أحد يعرف اسمه حتى الآن.
وأذكر أنني زرت أحد الأصدقاء هناك، وأخذني بسيارته إلى نفس الحديقة، والحمد لله أنه هو الذي دفع الرسوم، وساهم في جمع الملايين السبعة.
بعد أن انتهيت من إيراد هذا النموذج لكم، لا بد أن أستدرك وأعترف بأنه نموذج غير مشرف ويجب رفضه وعدم الاقتداء به.
ومجالات العمل الشريفة واسعة ومتعددة، وهي تنتظر فقط من يخوض غمارها.
وأعرف بعض الأشخاص طلبوا تقاعداً مبكراً، وهم اليوم من ألمع رجال الأعمال، بل إن أحدهم قال لي وهو يضع إصبعه في عيني خوفاً من أن أحسده: هل تصدق يا مشعل أنني حققت أرباحاً خلال أربعة أعوام، أكثر مما جنيته من وظيفتي خلال أربعين سنة! لم أردّ عليه ولكنني انمعصت و(لويت بوزي).