حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

حلبة التحول!

العالم العربي اليوم، أو فلنقل بدقة أكبر، منطقة الشرق الأوسط، أصبحت منطقة التحولات، فما من بلد إلا ويشهد تحولاً. وبغض النظر عن أسلوب وطريقة واتجاه هذا التحول، إلا إنه يبقى صادقاً وأميناً في الالتزام بالوصف بكونه تحولاً.
يطرح الكاتب التشيكي الكبير فرانز كافكا، سؤالاً مهماً في روايته الشهيرة «التحوُّل» بقوله: «كيف أصبحتُ الشخص الذي أنا هو؟ هل أنا نفسي فعلاً، أم أنا صَنَع مني الآخرون بالأحرى الشخص الذي هو أنا»، وما ينطبق على الأشخاص ينطبق على الشعوب والأمم. فالعالم العربي، ومنطقة الشرق الأوسط في غالبيتها، تحولت إلى عالة على العالم وعالة على نفسها، وفقدت القدرة في المائة عام الماضية على التعايش مع الآخر، والتطبيق العملي للتسامح؛ بعد النمو الشديد والصاروخي لخطاب الكراهية باسم الأديان. المنطقة التي كانت مَهْداً للحضارات والثقافات والأديان، باتت مركزاً مهدداً كما يطلق عليه الكاتب والروائي اللبناني الفرنسي أمين معلوف، «غرق الحضارات».
هناك ظلمات اجتاحت العالم العربي في بدايات القرن الماضي؛ لأن العالم العربي رفض الاستجابة الحقيقية والصادقة لدعاوى ومشروعات الإصلاح والتجديد، وتعامل معها كشعارات براقة فقط لا غير، واختار من ثم الطريق الخطأ المليء بالتعصب والتضييق. كانت الحجة والأعذار دوماً محاربة الاستعمار والمحتل، والعذر الثاني وجود الكيان الصهيوني. استقلت دول عربية وتخلصت من الهيمنة الاستعمارية، ولكن سرعان ما صعدت إلى الكرسي أنظمة متسلطة وفاسدة حكمت شعوبها بالحديد والنار، وزاد على هذا الأمر «سماح» للحراك الأصولي المتشدد بالتمدد ليصل إلى المشهد البائس والحزين. ونحن في العالم العربي نتابع الحراك الشعبي العريض لشعب لبنان العاشق للحياة والحرية، ومضرب الأمثال في الرغبة في الحياة المدنية، وهو ينتفض بشكل حضاري وسلمي ومدني راقٍ، ليقوم ويخطب فيه رجل يقود تنظيماً إرهابياً ميليشياوياً، وهو حسن نصر الله، مردداً عبارات دينية، وبمظهر طائفي، ملوحاً بيده وإصبعه، ورافعاً صوته، مهدداً من يشارك في الحراك، وكل ذلك وهو بلا أي صفة رسمية في الدولة اللبنانية الرسمية. هذا المشهد يجسد بالتفصيل رمزية المأساة التي يعيشها اليوم العالم العربي بين أحلامه وطموحات شبابه، وبين واقعه المخيف وماضيه الموجع.
هناك صراع واضح بين الأحلام والقيم المأمولة من جهة، وبين قوى الظلام من جهة أخرى. بحسب المنتصر، ستحدد وجهة طريق مستقبل المنطقة. إنها جولات مريرة وصعبة قادمة. الكراهية تصارع الأمل في حلبة التحول.
منطقة الشرق الأوسط كانت تقليدياً مَهْدَ الحضارات، ومنبت الثقافات، وتربة الأفكار، ولكنها تحولت إلى موقد لنار التعصب ولهيب الكراهية. والخيار وجودي الآن؛ إما مستقبل مختلف، فيه رغبة في الحياة، وإما البقاء في ماضٍ مفصل ومُعدٍّ للموت.