نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

التقدير المبالغ فيه للماضي

من الممكن العثور على أشخاص من جانبي الطيف السياسي يشعران بالحنين لحقبة الخمسينات. في حين يتمنى الكثير من اليمينيين العودة إلى العادات المحافظة للبلاد والمواقف القومية، بدأ يفتقد البعض من تيار اليسار الضرائب المرتفعة خلال تلك الحقبة، والاتحادات القوية، وتراجع انعدام المساواة مقارنة باليوم. رغم النمو الاقتصادي السريع الذي شهدته تلك الفترة، قليل ممن يتمنون العودة إلى الخمسينات يرغبون حقاً في أن يعيشوا الحياة كما كانت عليه في تلك الحقبة. فرغم كل ما في تلك الأيام من شاعرية وحنين، كان مستوى المعيشة خلالها أقل عنه اليوم، وكان النظام متسماً بالظلم وانعدام المساواة وتكافؤ الفرص.
على الجانب الآخر يجد المرء أن نظرة النساء والأقليات لتلك الفترة يسودها الحزن ولديهم أسباب وجيهة لذلك، حيث كان الفصل العنصري متجذراً في القانون في أغلب أنحاء الولايات المتحدة، وكان الفصل العنصري مطبقاً على أرض الواقع حتى في المدن الشمالية. وتم حرمان الأميركيين السود، الذين كانوا يعيشون متكدسين في أحياء منعزلة منغلقة خاصة بهم، من كل الفرص الاقتصادية بسبب النهج العنصري السائد، وكانوا يعانون بشكل مفزع. حتى في نهاية ذلك العقد كان أكثر من نصف الأميركيين السود يعيشون تحت خط الفقر.
وكان يتم حصر النساء في بعض الوظائف المحددة، حيث لم يكن أمام الكثيرات خيار العمل في مهن مرضية لائقة. مع ذلك لم يكن هذا يعني تمكن رب الأسرة في كل الأوقات من الإنفاق على الأسرة بالكامل. كذلك كان ثلث النساء يعمل خلال فترة الخمسينات مما يشير إلى حاجة الكثير من الأسر إلى وجود دخل ثانٍ حتى لو تعارض ذلك مع الأدوار المتعلقة بالنوع في ذلك الزمن.
حتى بالنسبة إلى السيدات اللاتي لم يكنّ يعملن، لم تكن المهام المتعلقة برعاية المنزل بالأمر الهين السهل.
إضافة إلى العنصرية والتحيز الجنسي، لم تكن حقبة الخمسينات حقبة السهولة والوفرة مقارنة بيومنا هذا.
ما زاد الأمور سوءاً هو أن عدد أفراد الأسر كان أكبر كثيراً في الخمسينات، مما يعني أن الأسر الكبيرة كانت مضطرة للتكدس في تلك المساحات الضيقة. وكانت تلك المنازل تفتقر إلى الكثير من الأشياء التي تجعل المنازل العصرية أكثر راحة وملاءمة.
وكان على من كان لديهم وظائف العمل لساعات أطول كثيراً سنوياً. وكانت تلك الوظائف تتسم بالصعوبة والخطورة في أكثر الأحوال. ولم يتم إنشاء إدارة السلامة والصحة المهنية حتى عام 1971. وفي بداية السبعينات كان معدل إصابات العمل أكبر كثيراً عنه الآن، وإن كان المعدل الأكبر للإصابات خلال الخمسينات.
نجد الشعور بالحنين إلى الأيام الخوالي لوظائف المصانع بين من لم يُضطروا إلى الوقوف بجوار فرن صهر، أو العمل في خط تجميع غير آلي لثماني ساعات يومياً. بعيداً عن العمل، كانت البيئة في حالة أسوأ كثيراً عن حالتها اليوم. ولم تكن هناك وكالة حماية البيئة، ولا قانون الهواء النظيف، أو قانون المياه النظيفة، وكان تلوث الهواء والماء رهيباً.
لذا رغم أن الحياة خلال حقبة الخمسينات كانت أفضل عنها قبل ذلك، لم تكن كذلك مقارنة بما تمتع به الأميركيون خلال العقدين التاليين، حيث تغير الكثير من الأمور خلال تلك الفترة الزمنية الفاصلة بفضل القوانين واللوائح التنظيمية والسياسات التي حدت من التفرقة على أساس النوع أو العرق وجرمتها.
إلى جانب تلك التغيرات السياسية، استفادت الدولة من النمو الاقتصادي السريع خلال الخمسينات والعقود التالية. كانت طرق الإنتاج المتطورة والمنتجات الاستهلاكية الجديدة تعني المزيد من الثروات خلال السبعينات مقارنة بفترة الخمسينات. وساعدت الاتحادات القوية، والبرامج الحكومية في نشر ومشاركة تلك الثروة، لكن كان النمو هو ما حققها بالأساس.
لهذا لا تستحق الخمسينات كل هذا القدر من الحنين. رغم ما تضمنه ذلك العقد من دروس حول كيفية جعل الاقتصاد الأميركي أكثر عدلا اليوم بفضل الاتحادات القوية واللوائح التنظيمية المالية الأفضل، لم تكن حقبة العدالة والمساواة الكاملة بشكل مجمل. رغم أن هذا الوقت قد شهد قدراً كبيراً من التقدم والأمل، كان ذلك الأمل في تحسن الأمور لاحقاً، وهي بالفعل أفضل كثيراً الآن عنها حينها وفقاً لأكثر المقاييس موضوعية.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»