علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

لقمة عيش

لبنان منذ أن استقل في مطلع الأربعينات الميلادية من القرن الماضي وهو يعيش أزمات متتالية؛ بدءاً من أزمة 1956 ميلادية، ليستقر بعد ذلك ويعيش أفضل سنينه كبوابة للشرق العربي في كل المجالات، فقد كان البوابة المالية وكان مركزاً لتجارة الشرق؛ هذا من حيث الاقتصاد، أما من حيث التعليم فقد كانت الأسر العربية الميسورة ترسل أبناءها لطلب العلم في المدارس اللبنانية وفي الجامعات اللبنانية، وعلى رأسها الجامعة الأميركية في بيروت.
أما من حيث الفنون، فقد كانت بيروت منارة فنية يقصدها طالبو البروز والشهرة من الفنانين العرب كل في مجال فنه، أما الناحية الثقافية فقد كانت في أوج ازدهارها سواء من حيث الكتاب أو الرواية أو دواوين الشعر أو الصحافة التي كانت شارعاً عربياً يتتلمذ على يديه صحافيو العرب.
لكن هذه الحال لم تدم طويلاً، ليصحو لبنان على حرب أهلية عام 1975 ميلادية، بعد أن نام على أنغام صباح مساء، لتستمر الأزمة حتى إبرام اتفاق الطائف، لتعود الحياة إلى لبنان، ولكن بعد أن فقد مركزه المتقدم عربياً.
لست بصدد شرح أسباب هذه الأزمات، التي تكون تارة بسبب زعماء الطوائف وتارة بسبب الفلسطينيين وغيرها من الأسباب، ليصحو لبنان مؤخراً على أزمة جديدة توحدت فيها طوائف لبنان البالغة نحو ثماني عشرة طائفة رغم اختلاف زعامتها.
السؤال المطروح كيف توحدت طوائف لبنان رغم اختلاف زعامتها؟ إنه الاقتصاد يا سادة، أو بتعبير أدق؛ إنه المساس بـ«لقمة عيش» الفرد اللبناني الذي رفعت عليه الضرائب لتعويض عجز الموازنة رغم ضعف الرواتب. وكان لـ«حزب الله» اليد الطولى في ذلك بعد أن حوصر مموله، وتقلصت معونات إيران للحزب ورغب «حزب الله» في أن يعوض ذلك على حساب لقمة عيش اللبنانيين. لكن اللبنانيين صبروا حتى نفد صبرهم، ورأوا زعماء الطوائف يتمتعون برغد من العيش على حسابهم، وجراء الفساد الذي أوقف تنمية البلد، ليغيروا موقفهم من الولاء للطائفة وزعيمها إلى الولاء للقمة العيش، ليتظاهر الشارع اللبناني بجميع طوائفه باستثناء المستفيدين من الأوضاع.
للشعوب نفس طويل؛ ولكن هذا النفس لا يدوم... فمتى أدرك الناس فساد الزعامة وحرص الزعامة على ما يدخل جيبها، لا الحرص على مصالح الشعب، فإنها تنتفض وتتظاهر وتطرد الخوف للدفاع عن لقمة عيشها.
اللبنانيون صبروا وتحملوا حتى رفعت عليهم الضرائب ورفعت عليهم أيضاً أسعار الخدمات، ليتوحدوا دفاعاً عن لقمة عيشهم، إنه الاقتصاد يا سادة الذي إذا أصلح وجد الناس وظائف وأعمالاً وعاشوا الكفاف أو قريباً من الرفاه، وصبروا على بعض الفساد لا كل الفساد. في المقلب الآخر كما يقول إخوتي اللبنانيون، نرى في مغربنا العربي - وفي تونس تحديداً - الناس تنتخب رئيساً بلا سند حزبي، فقط لأنه كان قريباً من احتياجات الشعب وبالذات فقراءهم، وهذا حسب خطاباته ومناظراته، وإن لم نصِل إلى التطبيق لحداثة انتخاب الرئيس.
الشعوب وإن صبرت فهذا لا يعني عدم وعيها، ولكنها تنتظر إصلاح الحال... فإن لم يتم فإنها مستعدة للتظاهر السلمي، فإن لم ينفع اتجهت للخيار الأصعب؛ وهو حمل السلاح كما حدث في سوريا، متحدية جبروت الحاكم وقوة أنظمته الأمنية.