حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مال ومدن وجشع

سقطت شركة توماس كوك العريقة ذات 180 عاماً في ريادة العمل السياحي بشكل مذهل ومفاجئ.
هناك من فسر ما حصل بأنه نتاج عدم قراءة الواقع الجديد والمتغير لصناعة السياحة والتطورات التقنية التي طرأت عليها، وهناك من رأى أن كل ذلك نتيجة الجشع اللامحدود والتوحش الرأسمالي. ويرجعون السبب الأساسي للجشع والتوحش الرأسمالي إلى جنون العلوم المالية بشكل غير مسبوق في فترة السبعينات الميلادية من القرن الماضي. كان فصل جامعة هارفارد كلية إدارة الأعمال يطلق عليه اسم «الظلمات في الظهيرة»، لأنه كان يعقد في البدروم في فترة الغداء وبحضور ضئيل جداً. وفي فترة التسعينات انقلب الوضع وتغير، وتحولت البنوك الاستثمارية إلى الجنة الموعودة، ونقطة الجذب الكبرى، وامتلأت الفصول التي تقدم هذه المواد المطلوبة. ولكن مع الانهيارات المالية والفضائح والتجاوزات والجرائم التي تم كشف عنها وكلها يشترك فيها عنصرا الجشع والاحتيال.
التاريخ الحديث في عالم الأعمال في الغرب من الممكن تقسيمه إلى ثلاث حقب أساسية؛ الأولى عهد رجل المؤسسة، وهي الفترة التي تبدأ من 1930 إلى 1970؛ سيطرت الشركات الكبرى تحت تحكم التكنوقراطيين الذين يتأثرون بأسلوب الدولة الراعية، ويهتمون بالأمان الوظيفي إلى التقاعد إلى الضمان الصحي. من السبعينات وصاعداً تأتي الحقبة الثانية، عهد رجل الصفقة، التي جاءت نتاج فك القيود وتقليل التشريعات وتفتيت الشركات بملكية جديدة وعنيفة، كانت لها نظرة أقل تعاطفاً مع الواجبات الاجتماعية منذ عام 2000.
هناك حقبة ثالثة وجديدة؛ عهد رجل التواصل بقيادة شركات التقنية، التي تسعى إلى تحطيم نظام الأعمال القديم بملايين من المستخدمين، ولا يزال الحكم قائماً على صحة نجاح هذه الحقبة، أو على الأقل هذا ما لمح إليه نيكولاس ليمان في كتابه «رجل الصفقة»، وكذلك هناك مسببات لظهور الجشع؛ منها تمركز السلطة والثروة في مدينة بعينها تماماً، كما كان يحدث قديماً في البندقية ولاهاي وأثينا وروما، وهي المدن التي كونت دولاً واقتصاديات قلدتها لاحقاً بعد ذلك لندن وباريس بمركزية السلطة والسياسة والمال في مكان واحد مركز. وهي القاعدة التي بنيت عليها الفكرة في مصر، فكانت القاهرة هي مصر اختصاراً لسائر البلاد، ودمشق هي الشام اختصاراً لسائر سوريا. ووعى لذلك الأمر العالم الجديد، فكانت العاصمة برلين في ألمانيا والعمق التجاري لفرنكفورت، وفي أميركا بنيت واشنطن العاصمة، ولكن الثقل التجاري كان لنيويورك، وفي إيطاليا كانت العاصمة روما والثقل التجاري لميلانو، وفي أستراليا كانت العاصمة كانبيرا والمركز التجاري لسيدني، وفي كندا كانت العاصمة أوتاوا والثقل التجاري تورونتو، وفي البرازيل كانت العاصمة برازيليا والثقل التجاري ساوباولو، وفي الصين بكين والثقل التجاري لشانغهاي، والهند اختارت دلهي عاصمتها ومقر الثقل التجاري لمومباي، وحتى عربياً كانت أبوظبي العاصمة ودبي القلب التجاري، والمغرب اختارت الرباط والثقل الاقتصادي للدار البيضاء. تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ ثلاثة كتب ممتعة عن دور المدينة المتغير؛ الأول بعنوان «لماذا تخسر المدن» بقلم جوناثان رودن، والثاني «وكيل القوة» بقلم روبرت كارو، والثالث «مدينة النور» بقلم روبرت كريستيانس. والثلاثة يتحدثون عن دور المدينة المتغير في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتبدلة. الجشع هدام والتنوع مرغوب، ففيه حماية للأضرار الناتجة عن فطرة الإنسان الطبيعية التي ترغب في الحصول على أكبر قدر من المال بنهم.