مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الإمام الظالم

أعجبني وأثار تعجبّي ما كتبه الأستاذ خالد السليمان في جريدة «عكاظ» السعودية، الذي جاء فيه ما يلي:
استمعت لمقطع يبتهل فيه خطيب جمعة فلسطيني إلى الله عز وجل بأن يدمّر السعودية ويهلكها.
وهو يرى أن السعودية باعت فلسطين وسببت كل دمار في الوطن العربي، وكأن السعودية هي من هُزمت في حرب 48، أو تسببت في نكسة 67، أو خانت في القنيطرة، أو قصفت واجتاحت المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا والأردن، أو تحالفت مع إيران التي دمرت سوريا وهيمنت على العراق ودعمت كل الميليشيات التي ترتكب المجازر ضد أقرانه السُنّة.
السعودية لا تملك فلسطين حتى تبيعها، والشيء الوحيد الذي تشتريه هو الغذاء والدواء والألبسة والمساعدات التي تخفف من معاناة العرب التي يتسبب فيها مرتزقة الشعارات والمتاجرين بالقضايا.
اللافت أن الخطيب المفوّه يقبض راتبه من إدارة الأوقاف التي تسدد رواتب موظفيها السعودية – انتهى.
وأنا لا أستبعد أن هذا الإمام هو خريج المدرسة (الإخوانجية)، وينتمي إلى حركة «حماس» - التي لا تعمل ولا تسلم من النجاسة - ومع ذلك هي تتمسّح وتتمحّك بالدين، وعلى جبهة كل واحد من أساطينها (زبيبة سوداء)، كأي علامة تجارية احتكارية مضحكة.
وكنت أتمنى لو أن الأخ خالد ذكّر ذلك الإمام الجهبذ، ولا أقول الأهبل، بموقف السعودية عندما اقتتلت «حماس» مع «فتح» عام 2007، وجمعهما الملك عبد الله في مكة المكرمة في 8 فبراير (شباط) من تلك السنة، من أجل الاتفاق على وقف القتال الداخلي وحقن الدماء، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ووقّع هذا الاتفاق حينها من جانب «فتح» الرئيس محمود عباس، والنائب محمد دحلان، ومن جانب «حماس» خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة، وإسماعيل هنية؛ وهو ما يسمّى رئيس وزراء «حماس»... كل هذا حصل وهم يشاهدون أمامهم الكعبة المشرفة.
وتعانق الجميع - وذرف بعضهم دموع التماسيح - بل إن أحد أعضاء الوفد الحماسي أخذه الحماس الزائف والزائد على الحد، وردد بيت الشعر العربي القديم هذا أمام الحاضرين، قائلاً بحركة مسرحية رخيصة ومن دون أي خجل:
ولما احتربت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها
الله أكبر على هذه الدموع التي فاضت من عيون جنود «حماس» عندما أخذوا يقذفون بأشقائهم الفلسطينيين الآخرين من العمائر الشاهقة دون أن يرف لهم رمش.
لن تقوم لدولة فلسطين قائمة ما دامت في هذا الوضع المزري من التشرذم، وما دامت «حماس» تدير مؤخرتها لإسرائيل، ولا هَمّ لها إلا أن تدعم الإرهابيين في سيناء. والآن يسيل لعابها على أمل أن تحظى هي وحدها بمكامن الغاز المكتشف أمام ساحلها.