إميل أمين
كاتب مصري
TT

عن أميركا وأمن الخليج العربي

أحد أهم الأسئلة المثارة على الصعيد العربي والدولي اليوم: «هل لا يزال أمن منطقة الخليج العربي القومي يهم الولايات المتحدة بنوع خاص؟».
من دون مواراة أو مداراة يمكن القول بأن هناك، حتى في الداخل الأميركي، من يذهب إلى أن مصداقية أميركا وموثوقيتها اليوم على المحك، لا سيما إزاء دعم الأصدقاء والحلفاء، أولئك الذين ارتبطت بهم واشنطن طوال عقود، ومثلوا جغرافيا وديموغرافيا حوائط صد، وجدراناً عازلة، في مواجهة آيديولوجيات مناوئة لا سيما طوال الحرب الباردة، والمملكة العربية السعودية تأتي في مقدمة هؤلاء مرة وإلى الأبد.
لا يمكن الجواب عن علامة الاستفهام المتقدمة من دون الاستماع إلى ما قاله الرئيس دونالد ترمب الأيام القليلة الماضية تعليقاً على نشر التقرير السنوي حول منع الإبادة الجماعية والأعمال الوحشية، الذي يحمل اسم «إلي ويزل».
يصيح ساكن البيت الأبيض بأن إداراته «لن تبقى صامتة في وجه الشر مرة أخرى»، وأنه «لا مجال لتكرار الإبادات الجماعية».
يعن لنا أن نتساءل هل ما يجري في منطقة الخليج العربي بعيد عن الشر الذي يتحدث عنه الرئيس ترمب، وإن لم يرق اليوم إلى مستوى الإبادة الجماعية؟
الذين لهم دالة على التجربة التاريخية يقطعون بأن صمت أوروبا في أوائل القرن العشرين على هتلر ونسقه النازي، قاد إلى حرب عالمية طاحنة كلفت العالم زهاء سبعين مليون قتيل، وخسائر اقتصادية مريعة، واحتاج الأمر إلى عقود لإعادة البناء.
واليوم يكاد يكرر التاريخ ذاته من خلال إيران، السادرة في غيها، التي باتت توجه صواريخها البعيدة المدى، وطائراتها المسيّرة، مباشرة من على أراضيها، أو عبر أذرع وكلائها وميليشياتها الشريرة، إلى أهداف موصولة بأمن وأمان العالم الاقتصادي، وما استهداف منشآت «أرامكو» إلا ضرب من ضروب التحدي الإيراني لجميع المنظومات الأممية والأعراف الدولية والقوانين والشرائع الأخلاقية.
السؤال المثير المتقدم عن أمن منطقة الخليج استدعى تساؤل عدد من المحللين لشؤون الأمن القومي الأميركي في الأيام القليلة الماضية ومن بينهم ريبيكا غرانت محللة شؤون الأمن القومي التي أشارت في مقال لها على موقع «فوكس نيوز» إلى أن استهداف معامل «أرامكو» يعكس قدرات إيرانية على ضرب أهداف أخرى في جميع أنحاء المنطقة، سواء مباشرة أو بالوكالة، مثل البنى التحتية النفطية السعودية والمطارات والمنشآت الأخرى التي باتت جميعها معرضة لهجمات إيرانية.
ولعله من البديهي القول إن ما تتعرض له السعودية اليوم، يمكن أن تعاني منه بقية دول منطقة الخليج في الغد، وتصريحات الحوثيين لم توفر تلك التهديدات للإمارات، وتحليق طائرة مسيًرة في سماوات الكويت كذلك يعكس المخاوف عينها.
لا بل إن التطلعات السوداء للإيرانيين بلغت حد الادعاء بأن صواريخهم ربما تطال القاهرة عينها، وليس بخافٍ على أحد أن ما يجري في اليمن يمكن بطريق أو بآخر من التأثير على حركة الملاحة في البحر الأحمر، وتالياً قناة السويس، ذلك الشريان الذي يمثل العصب القومي الاقتصادي لمصر، ولهذا كرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقولته إن أمن الخليج العربي جزء من أمن مصر القومي، وذلك خلال لقائه مع رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم.
الأمر إذن جد خطير على الأمن القومي العربي الخليجي والمتوسطي، وهنا يعود بنا الحديث عن الموقف الأميركي مما يجري في هذه المنطقة، وما يستوجبه الحال من سرعة تصرف ومآل.
الذين لديهم دالة على التفكير الاستراتيجي الاستشرافي يدركون أن العلاقة ما بين الولايات المتحدة، وبين دول منطقة الخليج العربي تتجاوز بكثير جداً مسألة إمدادات الطاقة، وحالة الوفرة في الاحتياطيات الأميركية الحالية، مع الأخذ في عين الاعتبار، واستناداً إلى معلومات قسم توقعات الطاقة السنوي التابع لوزارة الطاقة الأميركية، فإن كل ما يقال عن مصادر الطاقة البديلة وإمكانية استغناء الولايات المتحدة عن استيراد النفط هو من قبيل التنبؤ ولم يتبلور بعد إلى حقيقة مؤكدة.
يمكن لدول الخليج العربي أن تجد أسواقاً - وهي بالفعل متاحة - لمنتجاتهم النفطية، في حين تبقى الأهمية الجيواستراتيجية الفائقة لمنطقة الخليج في القديم والجديد هي الركيزة الأساسية لتلك العلاقة، كما أن إعادة رسم خريطة العالم جيوبوليتيكياً، أمر يستدعي من الإداراة الأميركية تقدير المنطقة حق قدرها، وبخاصة في ظل المطامع الإيرانية، والمكايدة السياسية من القوى الكبرى التي لا تحمل إلا مشاعر المنافسة والترصد للأميركيين.
العقلاء في واشنطن ولا سيما أعضاء مجلس الأمن القومي وقادة البنتاغون يدركون أن الحضور الأميركي في المنطقة على المحك، وأن ما جرى السبت الماضي يستدعي رداً سريعاً فاعلاً وناجزاً، حتى وإن كان رداً محدوداً.
لا أحد يسعى إلى الحرب، ولا من يودها في الحال أو الاستقبال، إلا أن رد الاعتداء، أمر واجب بحسب جميع الشرائع والنواميس الوضعية والربانية.
يسود الشر حين يخفت صوت الخير وتغيب يد العدالة.