د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

قمة الهموم غير المشتركة

في وقت مضى، كانت قمة الدول السبع توفر حلولاً للمجتمع الدولي على الصعيدين السياسي والاقتصادي، أما في الوقت الحالي فتبدو هذه القمة قابلة للانفجار في أي وقت، لا سيما بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب؛ وهو صاحب السوابق في هذه القمة.
ولا تبدو الدول في هذه القمة مستعدة كما جرت العادة لمناقشة المشاكل المشتركة للمجتمع الدولي، بقدر ما تمتلئ أجندتها بمشاكلها الخاصة، وكأن هذه القمة أصبحت تختص بهذه الدول السبع فحسب دون اعتبار لمشاكل غيرها. حتى وصفت القمة بأنها تتخذ طابعاً شخصياً لرؤساء الدول، لا سيما مع التصريحات المتبادلة قبلها.
فالتحدي بالنسبة لرئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون هو مناقضة مناهضيه الذين توقعوا أن يظهر بمظهر الخانع أمام اشتراطات ترمب في المفاوضات التجارية بينهما، وأنه سيقبل بأي عرض أميركي في المفاوضات مهما كانت تكاليف هذا العرض. وتنبع هذه التوقعات من ضعف الموقف البريطاني في الوقت الحالي بالخروج من الاتحاد الأوروبي وتشكيل الحكومة الجديدة، إضافة إلى الضغوط الأوروبية وقلة الخيارات لدى بريطانيا مع الوضع الاقتصادي الحالي. وإضافة إلى هذا كله، فإن قوة الاقتصاد الأميركي مقارنة بالاقتصاد البريطاني تضع الأول في موقف المتحكم بالشروط.
وبعد لقاء الرئيسين، صرح جونسون بكونه يطمح إلى عقد اتفاق «سريع» بين البلدين خلال السنة القادمة، يستطيع من خلاله الترويج للبضائع البريطانية في السوق الأميركي الذي قد يوصف باتباعه سياسة الحماية، دون تقديم تنازلات تضر بالبريطانيين. ولا يتوقع من هذه المفاوضات شيء غير طول النفس الذي يتصف به الطرفان. إلا أن التوافق بين الرئيسين في الوقت الحالي لا يمكن إنكاره، فالرئيس ترمب سبق له وصف جونسون بأنه «ترمب بريطانيا»، ولا يبدو أن جونسون يمانع هذا الوصف، خاصة أن هذا التوافق قد يحل له الكثير من مشاكل الاقتصاد البريطاني بتوفير سوق للسلع البريطانية وتعويض الخسائر التي قد يسببها الخروج من السوق الأوروبية المشتركة.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن بريطانيا - بوجود جونسون - قد تعد الحليف الأقوى من ضمن الدول السبع، فالعلاقة بين الرئيسين الأميركي والفرنسي ليست على ما يرام، خاصة بعد أن أقرت الحكومة الفرنسية نظام الضريبة الرقمية، التي يحق للحكومة الفرنسية بموجبها مطالبة الشركات التقنية الأميركية بدفع الضرائب في فرنسا بدلاً من أن تدفعها هذه الشركات في الدول التي يوجد فيها مقرها. وفي حال طبق هذا النظام فسوف تتعرض شركات أميركية كثيرة لدفع الضرائب هناك منها «غوغل» و«فيسبوك» وحتى «أبل». وقبل شهر من القمة، وصف الرئيس ترمب تصرف نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بإقرار هذه الضريبة بأنه تصرف «غبي»، وأن الولايات المتحدة سترد برسوم انتقامية مقابل إقرار فرنسا هذا النظام.
ولا يبدو أن الرئيسين على وفاق قبل هذه القمة، ففرنسا محورت هذه القمة حول مواضيع مثل الحفاظ على البيئة وذلك في ظل الحرائق المستمرة في غابات الأمازون، إضافة إلى التنمية في أفريقيا والمساواة بين الجنسين. ولم يبد الرئيس الأميركي متحمسا لهذه المواضيع قبل القمة، حيث عبر عنها بحسب وسائل إعلام أميركية بالمشاكل «الضحلة»، هذا التعبير الذي سرعان ما نفاه ترمب ساعة وصوله إلى فرنسا، واصفا إياها «بالأخبار الكاذبة». وحتى الرئيس الفرنسي نفسه حرص على الظهور مع ترمب قبل بدء القمة محاولاً نفي الاختلافات. إلا أن الواقع أن فرنسا سبق لها وأن أبدت إحباطها من عدم اشتراك الولايات المتحدة في اتفاقية باريس للمناخ، إلا أنها لا تبدو مستعجلة على الرد على الرسوم الأميركية المحتملة.
قمة الدول السبع كثيراً ما ارتبطت بالأذهان بالتوصل إلى حلول للمشاكل الدولية، وارتبطت هذا العام بمشاكل مثل الأزمة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، والاتفاق البريطاني الأوروبي حول «بريكست»، وحتى المفاوضات التجارية بين أميركا واليابان. إلا أن ما يظهر حتى الآن هو التشاؤم فقط، ولا لوم على من يتشاءم من نتائج هذه القمة، فقمّة العام الماضي لم تنس بعد، ومغادرة ترمب الأراضي الكندية قبل البيان الختامي المشترك لم تكن ذات دلالات إيجابية، خاصة بعد أن غرد ترمب أن كندا - المستضيفة حينها - تطعن الولايات المتحدة من الخلف. وما زاد هذا الانطباع، هو قرار الرئيس الفرنسي بعدم إصدار بيان ختامي مشترك لهذه القمة، لأول مرة منذ أكثر من 44 سنة، ويصعب بعد ذلك القول إن قمة الدول السبع قد تتمخض عن قرارات بوسعها تحسين الاقتصاد العالمي. ولذلك فلا يتوقع من هذه القمة الوصول إلى وساطة بين الولايات المتحدة والصين، ولا بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، حتى مع كونهما من أكبر الأزمات الاقتصادية في العالم، ومع شمولية تأثيرهما الاقتصادي على كثير من دول العالم.