ليونيد بيرشيدسكي
TT

المصلحة الوطنية والنموذج النمطي

من بين الأسئلة الأكثر إثارة للدهشة حول بوريس جونسون، الذي أصبح رئيساً لوزراء المملكة المتحدة؛ هو إلى أي مدى يتناسب الرجل مع الصورة النمطية للطبقة العليا البريطانية؟ فبعد ترقيه انضمت بريطانيا إلى غيرها من الدول الكبرى الأخرى التي يقودها أشخاص يعكسون صورتها النمطية الوطنية أكثر مما يعكسون صورة صفوتها، ومع ذلك يمكن القول إن قادتهم لا يأخذون بيد شعوبهم إلى الأمام.
ففي كلمة موجهة لجونسون نُشرت بمجلة «كويليلت» كتبها زميله بجامعة أكسفورد، توبي يانج، تنبأ فيها برئيس وزراء المستقبل قال: «كان الأمر كما لو أنني قابلت أخيراً أكسفورد الحقيقية المثالية الأفلاطونية، فيما كان الآخرون منا في طور الإعداد. بوريس كان المنتَج النهائي»، وعلى النقيض كان هناك البعض ممن يرونه متعجرفاً غائب الذهن غير الموثوق به.
على المنوال نفسه، فإن جونسون هو النسخة البريطانية من الرئيس الأميركي دونالد ترمب؛ «رجل الأعمال الناجح الذي يتمنى الكثيرون أن يصبحوا مثله يوماً ما»، بحسب الكاتب آن أبلباوم في مقاله بصحيفة «واشنطن بوست».
من الواضح أن هناك جانباً آخر لهذا النوع من الصور النمطية أيضاً، فقد سألت ذات مرة ميلتون غلاسر، مصمم شعار «أنا قلب نيويورك» الذي صمم ذات يوم زجاجة الفودكا التي استخدمها ترمب، عما إذا كان يعتبر ترمب رمزاً لنيويورك. أجاب غلاسر: «شخصيته من ذلك النوع الذي يزدهر في نيويورك، فهو شخصية نرجسية مصممة على استغلال كل فرصة وعلى الاستفادة من كل موقف، ولا يبالي بالآخرين، فهو يرى أن كل شخص عليه أن يتحمل نفقته الخاصة، لكن عليه أن يعمل لصالحه هو».
هناك أيضاً فلاديمير بوتين الذي يتصرف أحياناً بعقلية رجل الاستخبارات الروسية «كي جي بي» وفي أحيان أخرى يبدو قريباً من أساطير الذكاء مفتولي العضلات من الروس، هو ذلك الشخص الذي يهوى صيد الأسماك وركوب الخيل.
لكنّ كلاً من هذه القوالب النمطية لها جوانبه السلبية، أيضاً، فرجل «كي جي بي» معتاد على المراوغة لا يفهم سوى التفوق في القوة.
هناك أنجيلا ميركل، نموذج الاعتدال والحذر والدقة في ألمانيا. (وفي الجانب الآخر هناك روح الفكاهة، وغياب الكاريزما، والنفور من القيادة).
يبدو أن هناك أعداداً كبيرة من البريطانيين والأميركيين والروس والألمان (فهذه ليست قائمة كاملة بكل تأكيد) لشراء الصور النمطية الجامدة بكل ما بها من إيجابيات وسلبيات. جميعهم يبدون كأنهم مرتاحون لصورة كاريكاتورية لشخصياتهم الوطنية المفترضة في القمة. ربما تكون الآلية وراء ذلك هي الآلية نفسها التي تجعلنا نثق غريزياً بمطعم للبيتزا حيث يتحدث النوادل بلهجة إيطالية. من أفضل شخص للدفاع عن المصلحة الوطنية أكثر من النموذج النمطي؟
لكن قد يكون عكس ذلك صحيحاً، حيث تجدر الإشارة إلى أن أحدث قادة التحول في البلدان نفسها لا يتناسبون مع الصورة النمطية الوطنية على الإطلاق.
لدى توني بلير عدد قليل من الأنصار في المملكة المتحدة اليوم، لكنه أدخل البلاد إلى آفاق القرن الحادي والعشرين وجعل منها مركز إبداع - بعد عقدين من الإحساس بالمرارة - جعل منها دولة عصرية من جديد. أسهم بلير بدرجة كبيرة في جعل المملكة المتحدة وجهة للهجرة، فهي لم تكن معادية للأجانب لفترة طويلة. بغض النظر عما تلا ذلك، لم يدُم التغيير طويلاً. كان الرجل الذي أحدث التغيير شخصية مثيرة للدهشة، فهو شاب مغرور من الطبقة المتوسطة ومتمرّد سابق ولم يكن من القوالب السياسية أو الاجتماعية أو السلوكية التقليدية.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»