حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ابحث عن بوتين

في خضم الأحداث السياسية المتلاحقة، وخصوصاً أزمة الغرب مع إيران، يغفل المحللون والمراقبون عن تقدير دور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كل ما يحصل. هو حريص على استغلال كل فرصة لإضعاف المعسكر الغربي بأي شكل من الأشكال. اليوم لديه قناعة بأن الرئيس الأميركي حريص على «علاقة جيدة» مع روسيا، ولن تكون لديه الرغبة في «التصعيد» معها، ولكن من الممكن إصابة أهداف في أحد أهم أقطاب المعسكر الغربي، وهي بريطانيا، التي يعتقد بوتين بخلفيته المهمة في عالم الاستخبارات، أنها كانت أولى ثغرات الانهيار في جدار الاتحاد السوفياتي، بنشرها للجواسيس من لندن، ولذلك خلف الكواليس تساند روسيا نظام الحكم في إيران لتقوية موقفه أمام بريطانيا التي ضعفت كثيراً عما سبق، ومنغمسة في شأنها الداخلي وتحدياتها الأوروبية والاقتصادية، الأمر الذي جاء ملموساً في قدراتها العسكرية التي يبدو أنها لم تعد كما سبق؛ حيث لم يعد لديها حالياً سوى حاملة طائرات واحدة، جراء سياسات التقشف المالية.
بوتين رجل لديه مرارة هائلة في صدره ضد الغرب، فهو يتهمه بصورة غير مباشرة بقتل والده، ويعتبر اليوم الذي سقط فيه جدار برلين ما اضطره لمغادرة برلين سريعاً من موقعه كضابط مخابرات روسية مقيم فيها، دون أن يستطيع حمل أي من أغراضه معه، هو اليوم الأسوأ في حياته.
قرر بوتين من وقتها أن ينتقم ويعود بقوة. وأصبح رئيساً لروسيا، وبدأ في ترويج فكرة «الاستثناء الروسي»، معتمداً على نظرية أن لروسيا هوية خاصة ومختلفة؛ خليط دقيق بين الآسيوي والأوروبي، وهي دولة ترعى مصالح مهمة لها في القارتين. دخلت بقوة على الخط الأوروبي معتمدة على قدرتها على أن تكون المورد الرئيسي للغاز، مصدر الطاقة الأول لأوروبا؛ حيث تمكنت من تغطية أكثر من 70 في المائة من احتياج القارة، ودعمت التيارات السياسية المتعصبة باسم الوطنية، وجميع هذه الأحزاب لديها شكوك عظيمة تجاه الاتحاد الأوروبي، وترغب في «إضعافه».
كان بوتين حريصاً على التقارب مع الصين، واستغلال قوتها المتصاعدة حول العالم، ولكن التحالف بينهما غير متكافئ؛ لأن قوة الصين اقتصادياً حقيقة، فهي الثانية حول العالم، وقريباً ستكون الأولى، بينما اقتصاد الروس أصغر من الاقتصاد الإيطالي المتواضع. والرئيس الصيني شي جينبينغ يدرك خطة بوتين في استغلال الصين، ولذلك فالصين بقوتها الاقتصادية سحبت البساط في مناطق وسط آسيا من روسيا التي كانت لها اليد الطولى تقليدياً فيها. هذا التحالف بين روسيا والصين غريب، فهو بين نظامين شديدي الاعتداد بتوجههما الوطني، ولا بد أن يصطدم بعضهما ببعض عاجلاً أو آجلاً، ويوحدهما عداء وغضب ضد الغرب، بسبب إحساس بالحقد ضده نتاج مواقف سابقة (حقيقية أو مبالغ فيها) من الغرب ضدهما.
الصين في النهاية تقدم «حلاً» لروسيا كبديل آخر للنظام الاقتصادي العالمي، عما يروج له الغرب فقط. بوتين له موقف «أخلاقي» من الغرب، وقد صرح به علناً في لقائه الصحافي الأخير مع صحيفة «فايننشيال تايمز» المرموقة، حينما قال إنه يعتقد أن الغرب في حال سقوط إلى الهاوية الأخلاقية، تماماً كما حصل مع قوم لوط من قبل، في إشارة للسماح بحقوق المثليين وزواجهم، وهو الموقف الذي يرفضه بوتين وترفضه روسيا رسمياً، ويحاول به تزكية موقع روسيا دينياً كمركز للأرثوذكسية المسيحية، منافساً لروما للكاثوليك، والحزام الإنجيلي في الولايات المتحدة بالنسبة للإنجليكية.
أيضاً بالنسبة لبوتين، استمرار حلف الأطلسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي هو رسالة عداء موجهة لروسيا تحديداً؛ لأنها هي المستهدفة بعد انقضاء الغرض من وجود الحلف ضد الاتحاد السوفياتي. وعليه فإن فرد عضلات نظام إيران في مواجهة بريطانيا خلفه بوتين؛ لأنه بذلك يسجل أهدافاً في المعسكر الغربي، وهذا هو حلم حياته.