نصوص شُيدت عليها ثقافة التطرف

«العقاب والغلو في الفقه والتراث الإسلامي» لرشيد الخيون

نصوص شُيدت عليها ثقافة التطرف
TT

نصوص شُيدت عليها ثقافة التطرف

نصوص شُيدت عليها ثقافة التطرف

عن دار «مركز المسبار للدراسات والبحوث»، صدر للباحث العراقي، الدكتور رشيد الخيون، كتاب «العقاب والغلو في الفقه والتراث الإسلامي» في 409 صفحات.
يتضمن الكتاب بابين: الأول عِقاب الجنايات الأربع: (الرِّدة، والسَّب، والزِّنى، والسِّحر)، والثَّاني الكراهية، أي الغلو والتطرف. لكن الكتاب، كما يقول الباحث في مقدمته: «لا يختص بالعقوبات الجنائية، ولا يبحث في (القصاص) كعقوبة قانونية - شرعية - دينية، تقع على القاتل».
يبحث الباب الأول، بفصوله الأربعة، في شأن عقوبة القتل، وبخصوص أربعة أسباب: الرِّدَّة، والسَّب، والزِّنى، والسِّحر.
عِقاب الأُولى والثَّانية والرَّابعة الموت بالوسائل المعروفة: السَّيف أو الشَّنق أو الرَّمي بالرَّصاص، أما الثَّالثة فعِقابها الموت رجماً بالحِجارة. حوت قوانين وشرائع كثير مِن الدُّول العربية والإسلامية، وما تبنته «الجامعة العربية»، عقوبة القتل للمرتد والسَّاب والزَّاني، ذَكراً كان أم أُنثى، مع أن هذه الأحكام لا وجود لها بين الحدود التي جاءت في كتاب القرآن الكريم. وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بـ«الرِّدَّة» و«السَّب» و«السِّحر»، لهذا جاءت قوانين العقوبات، لكثير مِن الدُّول الإسلامية والعربية، خالية مِن هذه الحدود، وإنما استعاضت عنها بعقوبات أخرى، كالسجن والإبعاد مثلاً.
جاءت مادة الكتاب وصفية لما حدث عبر التاريخ، حتى يومنا هذا. فالتغير لكلِّ ظاهرة يحتاج إلى رصدها تاريخياً، كي نعرف مدى عمق النُّصوص التي شُيدت عليها ثقافة التطرف، وهي غير معزولة عن الأحكام الفقهية، التي تجاوزت آيات القرآن نفسها، عبر تفسيرها وتأويلها، وصياغة الأحكام المتشددة وفقها، مثل التشدد الذي تعرض له مبكراً المثقف التونسي عبد العزيز الثَّعالبي، بسبب كتابه (روح التحرر في القرآن)، عام 1904، وكان كتاباً لصالح الإسلام وأكثر فائدة له مِن مئات مِن كُتب المتشددين، الذين يعكسون تشددهم أو تعصبهم على النَّص».
ويمضي المؤلف في مقدمته بالقول: «اختلط الدين بالسياسة في هذه القضايا، وصار رجل الدِّين أو الحاكم هما المتحدثان باسم الله، والمدافعان عنه، وأن السُّلطة سرعان ما تتبنى موقف رجل الدِّين، حماية لنفسها وطمعاً بتأييده، وإن كان الضحية بريئاً، وإلا هل تعتقدون أن حاكماً مثل جعفر نميري كان حريصاً على الشَّريعة والدِّين، عندما أعلنها ونفذها في الشيخ محمود محمد طه؟! وهل هو أحرص مِن الشيخ طه على الدِّين والذات الإلهية؟! بذلك يصبح الإنسان مرصوداً مِن قِبل مَن سماهم معروف عبد الغني الرُّصافي بعبارة (بوليس السَّماء)، وهو الآخر تعرض للتكفير، فقال قصيدته في مكفريه، بعد أن ألقى شعراً في مسرح التمثيل ببغداد في العشرينيات».
يتضمن الكتاب بابين ضما ثمانية فصول: الفصل الأول تناول حدَّ «الرِّدة» العقائدية، مثلما ورد في كتب الفقه، وعلى المذاهب الإسلامية، بعد أن قُدم له بالحديث عن بدايات هذا الحدّ، وكيف أصبح عِقاباً شرعياً، والأكثر يأخذون حرب «اليمامة» (11-12هـ)، مع أنها مختلفة، لدخول الاقتصاد والسِّياسة في الأمر، بينما الرِّدة التي نتحدث عنها هي الرِّدة العقائدية. ولا تتبنى كل الدّول عقوبة الإعدام في المرتد؛ بل منها ما لا تذكر هذا الحد، إنما ذكرت الإساءة إلى الدِّين بشكل مِن الأشكال، ووضعت عقوبات أخرى تتراوح بين الحبس والغرامة والتأديب.
تناول الفصل الأول والثَّاني والثَّالث مِن الباب الثَّاني قضية «الكراهية» المعبر عنها بالغلو والتطرف، بأشكالهما الدِّينية المختلفة، مقدماً لها بما كان قبل الإسلام، وأنواع الغلو العقائدي والعملي، أي العبادي، وكذلك التعصب أو الغلو المذهبي. ثم تناولنا موضوع شرعنة التطرف بإطلاق الحملات الإيمانية، وما وجد بالمنطقة في التاريخ القريب، مِن حركات سلفية كان لوجودها مبرر؛ لكنها أنتجت جماعات لم تميز بين العصور، مع الإشارة بتفاصيل لاستغلال الدين في السِّياسة، وإطلاق الحملة الإيمانية في العهد العراقي السَّابق.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.