نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

الكويكب العملاق وذهب لا بريق له

هللوا يا أهل الأرض! تقول وسائل الإعلام إن وكالة ناسا الفضائية تخطط لزيارة كويكب مصنوع بالكامل من الذهب والمعادن النفيسة الأخرى! ووفقاً للأسعار الحالية، فإن قيمة المعادن الموجودة في الكويكب (سايكي 16) تبلغ 700 كوينتليون دولار - أي ما يكفي لحصول كل بشري من سكان الأرض على مبلغ 93 مليار دولار.
حسناً، إليكم الأنباء السيئة: لن يحدث ذلك أبداً. من المحتمل أن تُجرى عمليات التنقيب واستخراج الذهب والمعادن النفيسة من كويكب (سايكي 16) وغيره من الكويكبات الأخرى، ولكن بمجرد نزول هذه المعادن في الأسواق بكميات هائلة فلن تبقى ثمينة وذات قيمة عالية لفترة طويلة كما كان متوقعاً. وكما يعرف كل طالب مبتدئ في علم الاقتصاد، فإن السعر يعبر عن وظيفة من وظائف الندرة النسبية - وإغراق الأسواق بالذهب يؤدي إلى انتقاله من خانة المعادن النادرة إلى معدن دارج يستخدم في فنون الزخرفة العادية. فمع ارتفاع العرض ينخفض السعر فوراً.
لكن في حقيقة الأمر، هناك سبب جوهري أكثر مما سلف ذكره بشأن أن الكويكب الذهبي العملاق لن يجعل عالمنا المعاصر أكثر ثراء. وذلك لأن الثروات لا تنبع في المعتاد من قطع المعادن الهائلة، بل تنشأ عن القدرة على خلق وإيجاد الأشياء التي تلبي احتياجات الناس وتشبع رغباتهم.
ومصنع واحد من مصانع الحديد والصلب يمثل في حد ذاته ثروة حقيقية، لأنه يمكن استخدامه في صناعة قطع غيار السيارات، وفي التشييد والبناء، وما إلى ذلك. والمنزل يشكل ثروة في حد ذاته أيضاً، لأنه يمكنك الإقامة فيه أو تأجيره للآخرين. كما تعتبر المعارف والمهارات التي تمتلكها شكلاً من أشكال الثروة، حتى على رغم عدم احتسابها بوسائل الإحصاء الرسمية. حتى الساندويتش يعد نوعاً من أنواع الثروة على الأقل حتى يناله التلف.
لكن الكويكب العملاق المليء بالذهب لا يضيف إلا النذر اليسير إلى الثروة الحقيقية. فقد تكون للمعدن الكثير من التطبيقات الصناعية، مع صناعة الحلي والمجوهرات الجميلة، أو يستخدم في حشوات الأسنان. غير أنه لن يساهم في إشعال ثورة صناعة جديدة، أو يؤدي إلى انخفاض تكاليف السلع والخدمات، أو يجعل من حياة البشر أفضل أو أكثر راحة بصورة عامة. والذهب لا يتطلب ارتفاع الأسعار بسبب ندرته كمعدن في الطبيعة، فهناك الكثير من الأشياء النادرة التي ليست لها قيمة سوقية على الإطلاق. بل يرجع أمر ندرته النسبية إلى ارتفاع طلب الناس عليه. ونظرا لأن الكويكب الذهبي لن يؤدي إلى زيادة الطلب العالمي الإجمالي على الذهب، فلا يمكن بحال أن يولد المليارات تلو المليارات من دولارات الثروة الحقيقية الجديدة.
ولقد شهد العالم حادثة سابقة تشبه إلى حد ما حادثة الكويكب الذهبي الراهنة. في نحو عام 1500 توجهت الجيوش الإسبانية لغزو أميركا الجنوبية والوسطى، وعثرت هناك على رواسب هائلة من الذهب والفضة. ثم شحنت هذه المعادن المستخرجة إلى أوروبا واستعانت بها في تغطية النفقات الحكومية (وأغلبها كانت لأجل الحروب). ونظراً لأن الذهب والفضة يقومان مقام الأموال المتداولة في العصر الحاضر، كان انخفاض قيمة الذهب والفضة يساوي انخفاض قيمة الأموال المتداولة بين الناس - باصطلاح اقتصادي معاصر: ارتفاع التضخم.
لم يعد الذهب يستخدم كعملة متداولة بين أيدي الناس، كما لم تعد قيمة الأموال الحديثة مرتبطة بقيمة الذهب أو أي معدن غيره. وبالتالي، فإن وصول كويكب الذهب الفضائي العملاق لن يؤدي على الأرجح إلى ارتفاع أسعار المستهلكين. بدلا من ذلك، سوف يسفر عن انهيار أسعار الذهب إلى حدها الصفري تقريباً.
ومن ثم فإن الكويكب الذهبي العملاق لن يجعلنا من أصحاب المليارات. ولكن أيا كانت شركة التنقيب عن المعادن الفضائية، والتي سوف تتمكن من المطالبة بحقوق التنقيب في الكويكب السعيد، فسوف تكون قادرة على تحقيق ثروة كبيرة ومعتبرة لنفسها. ومن شأنها أن تتبع خطى شركة (دي بيرز) أولى الشركات المختصة بالتنقيب عن واستخراج الماس على مستوى العالم.
اعتادنا جميعاً أن يتسم الماس بندرة فائقة، وذلك حتى اكتشاف رواسب هائلة منه في القرن التاسع عشر في جنوب أفريقيا. وعمل رجال الأعمال ومسؤول الحكومة الاستعمارية البريطانية سيسيل رودس على توحيد كافة عمليات التنقيب عن استخراج الماس تحت إدارة شركة (دي بيرز). الأمر الذي اعتبر احتكاراً فعلياً انتقل في أوقات لاحقة إلى سيطرة عائلة (أوبنهايمر) الجنوب أفريقية. وعلى مر السنين، تمكنت شركة (دي بيرز) من الدفاع وبقوة عن هذا الاحتكار ضد مختلف التحديات من الشركات الناشئة العاملة في نفس المجال، وذلك عن طريق جمع وتخزين الماس حال انخفاض الأسعار ثم إغراق الأسواق به لإطاحة المنافسين.
ويسمح الاحتكار للشركة بالحد من العرض للمحافظة على ارتفاع الأسعار. ولكن شركة (دي بيرز) كانت في حاجة إلى ما هو أكثر من ذلك للحيلولة دون تحول الماس في نهاية المطاف إلى سلعة تجارية اعتيادية - ومن ثم لجأت إلى التسويق، إذ أطلقت واحدة من أكثر الحملات الإعلانية فاعلية على الإطلاق تحت شعار «الألماس إلى الأبد». وكان من نتائج الحملة المركزة إقناع الأزواج في كافة أرجاء العالم بأهمية خواتم الخطبة الماسية على اعتبارها رمزاً لا غنى عنه للالتزام الزوجي، وأن هذه الرمزية تعكس قيمة حقيقية في الحياة.
من شأن ملاك الكويكب الذهبي محاولة اللجوء إلى خدعة مماثلة، وشن الحملات الإعلانية لاستمالة الناس للبدء في استخدام الذهب في الكثير من الأشياء - مثل مواد البناء، وربما الملابس كذلك. ولكن من غير المرجح أن يفلحوا في إقناع العالم بدفع المزيد من الأموال لقاء الحصول على الذهب الهائل القادم من كويكب (سايكي 16) الفضائي - لا سيما إذا ظهرت شركة منافسة تعمل في التنقيب على كويكب ذهبي فضائي آخر.
وهناك درسان مهمان بشأن كيفية عمل الثروة نتعلمهما من استحالة استخراج الثروات التي لا توصف من كويكب (سايكي 16). أولاً، أنه يعكس أن قدراً كبيراً من الثروة لا يوجد إلا على الورق فقط - فعندما تحاول بيع الأصول خاصتك، ينخفض السعر فوراً. أما السيولة - وهي المقدرة على بيع الأصول مقابل النقود - فهي من العوامل المهمة التي يتغافل الناس عنها حال احتساب القيمة الصافية للأصول.
ثانياً، يوضح هذا المثال أن الثروة الحقيقية لا تنشأ في واقع الأمر من الكنوز الذهبية. بل إنها وليدة الأنشطة الإنتاجية البشرية التي تخلق وتوجد أشياء يريدها البشر الآخرون. ولم تنبع ثروات شركة (دي بيرز) الهائلة من سيطرتها المحكمة على نوع معين من الصخور المبهرة، وإنما نشأت من قدرتها البارعة على إقناع العالم بأسره أن هذه الصخرة الشفافة يمكن الاستعانة بها في الإعراب عن معاني الحب والإخلاص والتفاني.
فإن أردت الثراء، لا تفكر في كيفية السيطرة على الموارد النادرة. بل فكر في كيفية استخدام هذه الموارد بطريقة مبتكرة ومبدعة لصنع الأشياء التي يرغب فيها الناس ويحتاجون إليها فعلاً.
* بالاتفاق مع {بلومبرغ}