د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الحلول الخلاقة

مثلما كان لبريطانيا الفضل على سائر البشرية في اكتشاف قوة الفحم الذي قادت به بواكير الثورة الصناعية، ففي عالم الإدارة نحن مدينون لحدثين غيرا مجرى العمل الإداري والإنتاجي.
الأول، هو اكتشاف خط الإنتاج مصادفة، والذي لا يكاد يخلو منه مصنع. إذ كان تصنيع السيارات في السابق يستغرق أسابيع طويلة، حتى توصل هنري فورد إلى «فكرة» أحدثت تغيراً جذرياً في صناعة السيارات، وغيرها من الصناعات في العالم، وهي تطبيق فكرة الحزام الآلي على خط الإنتاج المتحرك. تتلخص الفكرة في أن فورد أو أحد رجاله كان يقف ذات يوم أمام محل لبيع الدجاج، عندما شاهد كيف يتم ذبحها بطريقة آلية أثارت انتباهه. إذ كانت الماكينة تسحب مجموعة من الدجاج فتقطع رؤوسها وتسلخها بطريقة سريعة على خط سير آلي يسير باتجاه أفقي، ولا يتطلب الأمر مجموعة كبيرة من العمال.
استحسن فورد الفكرة، وحاول تطبيقها في تصنيع السيارات، في مطلع القرن الماضي؛ حيث مرر السيارة على الحزام الآلي في خط الإنتاج (Assembly Line) فلاحظ أن إنتاجية الموظفين بدأت ترتفع، فلم يعد يتطلب الأمر تحلق حشد من الموظفين على سيارة واحدة حتى يصنعوها؛ بل صار كلٌّ يقف في مكانه انتظاراً لأن تأتي سيارات متتالية على خط السير البطيء ليضع العامل القطعة المكلف بها، كإطار السيارة أو نافذتها أو مقبض باب وغيره. ثم استبدلت بهذا الأمر لاحقاً الآلات الحديثة التي صارت تصنع السيارة في غضون يوم ونصف يوم تقريباً.
وكان الحدث الثاني في ثلاثينات القرن الماضي، عندما قررت شركة «ماكدونالدز» إحداث تغيير جذري في آلية إعداد الطعام بسرعة قياسية. فلجأت إلى أسلوب التخصص؛ بحيث يقوم فرد واحد فقط بإعداد جزء محدد من الوجبة أو الطلب، كأن يقلي الهامبورغر، والبطاطا، ويغلف الطعام ويراجع الطلب (الجودة) شخص واحد في كل مهمة. والهدف أن تتحول مهمته إلى سرعة خاطفة تتولد بسبب الدّربة التي اعتاد عليها. ففي السابق كان شائعاً أن يقوم بكل مراحل الطلب من الإعداد حتى التسليم شخص واحد. فانتشرت بسرعة حول العالم، حتى صرنا نرى كيف أن «معلم الشاورما» أو «البسطة» يعد الساندويتشات بلمح البصر. والسبب مبدأ التخصص الذي نجحت فيه «ماكدونالدز» قبل عقود، وهو ما مكنها حالياً من وضع هدف تسليم الطلب خلال ثوانٍ معدودة، يدرب عليها الموظفون، وتقاس بين حين وآخر، لضمان استمرارية جودة الخدمة.
هذان الحدثان يدلان على أن بيننا كبشر من يملك أفكاراً خلاقة، يمكن أن تغير مجرى أعمالنا وحياتنا إلى الأفضل. لكننا ننتظر حلولاً معلبة من الخارج، وننسى أن كل ما يثير الإعجاب كان فكرة محلية وجدت آذاناً صاغية وتشجيعاً وقليلاً من التثبيط.