إميل أمين
كاتب مصري
TT

ولي العهد... وحوار لا تنقصه الصراحة

حوار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الأستاذ غسان شربل على صدر صفحات خضراء الأوراق، يحتاج في واقع الأمر إلى قراءة معمقة، ولا سيما أنه يمثل بوصلة لأفكار المملكة وتوجهاتها في الحاضر والمستقبل، كما يعكس رؤيتها التاريخية عبر الماضي.
تفكير الأمير محمد بن سلمان، الذي هو في الوقت عينه تعبير عن سياسة المملكة، موصول أبداً ودوماً برغبة القائمين على الحكم فيها ومنذ زمن الأب المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في إفشاء السلام، فلا أحد راغب في الحرب، وإن كان الجميع جاهزاً لها إذا كانت هي الخيار المفروض من الغير، أي باختصار إعمالاً للقاعدة الذهبية «إن أردت السلم فاستعد للحرب».
يكشف الأمير محمد بن سلمان عن جزئية فلسفية تعد جوهر ولب الإشكال والصراع الإيراني، وهي أن إيران لا تفكر كدولة، بل تتعاطى مع جيرانها كثورة مستقرة ومستمرة، يسعى الملالي من أجل تصديرها في الحال والاستقبال، مع ما يعنيه ذلك من زعزعة استقرار دول المنطقة، وبث الفرقة بين شعوبها، بغرض تحقيق هدفها؛ الأمر الذي تخفيه عبر تقية معروفة للقاصي والداني، وهو أن تكون المكافئ الموضوعي لقوى أخرى غير عربية، بل ناصبت العرب العداء الحضاري طوال تاريخها.
يكشف الأمير محمد عن عمق النوايا الإيجابية للمملكة العربية السعودية، وبخاصة عندما أيدت الاتفاق النووي مع إيران، انطلاقاً من المرتكزات التقليدية للدبلوماسية السعودية التي لا توفر جهداً من أجل التوصل إلى حلول سلمية للقضايا المعقدة والمتشابكة من حولها، وقد كانت إيران ولا تزال معضلة من دون حل عبر أربعة عقود.
خُيّل للناظر وقت الاتفاق عام 2015 أن هناك بداية لانصلاح حال طهران المعوج، غير أن إيران درجت على استغلال الفوائض المالية التي أتيحت لها للمضي قدماً ومن جديد عكس التيار، وبما لا يخدم السلم، بل الحرب، عبر دعم لا يتوقف لميليشياتها في عدد من دول المنطقة ليكونوا لها «وكلاء ظلام» وقت القارعة.
إيران لا ترغب شكلاً أو موضوعاً في أن تكون دولة طبيعية في الجوار، هي لا تقبل بأقل من الهيمنة المطلقة؛ ولهذا كان من الطبيعي جداً أن تؤيد المملكة العقوبات الجديدة على الملالي، كآلية ردع؛ علها ترعوي أو ترتدع، ولا سيما أن الشعب الإيراني يئن في الداخل من ثقل الأحمال الملقاة على كاهله.
يصعب على المرء الجواب عن السؤال: من يحكم إيران بالفعل، الثنائي الأول أم الذي يليه؟
القصة برمتها أننا أمام ازدواجية مقصودة وغير عفوية، في تلاعب واضح وفاضح بالأدوار، وقد عمدوا من قبل إلى إظهار وجود فريقين، حمائم وصقور؛ الأمر الذي لا ينطلي على أحد؛ إذ ولاء الجميع لولاية الفقيه، وشروحات وطروحات الخميني، وإرثه سيئ الذكر.
أحسن ولي العهد السعودي حين أشار إلى أن العالم لم يعد قادراً على تحديد أو توصيف هوية إيران، فهل هي دولة طبيعية، حسب مفاهيم الدولة الوستفالية، وأول معايير تلك الدولة احترام سيادة الدول المجاورة واستقلالها، وعدم التدخل في شؤونها، أو التآمر عليها، أم أنها دولة مارقة خارجة عن القوانين الأممية وساعية إلى نشر الإرهاب والخراب من حولها؟
المؤكد أن علامة الاستفهام السالفة قد جاء الوقت ليجيب المجتمع الدولي عنها بوضوح، ولا يكتفي بمجرد الرد، بل يتجاوز ذلك إلى الفعل الخلاق، القادر على تحجيم النوايا الشريرة ولجمها.
أفضل من خبِر تلك النوايا في حقيقة الأمر بنفسه وعلى الأراضي الإيرانية عينها الأيام القليلة الفائتة، رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الرجل الذي وثق الرئيس ترمب بوساطته، فابتعثه للإيرانيين عله يعيدهم إلى الرشد ويباعد بينهم وبين الغي. غير أنه من متناقضات إيران، أن تستهدف قوات «الحرس الثوري» الإيراني ناقلة نفط يابانية في بحر عُمان، خلال زيارة الضيف الياباني، في ازدواجية قاتلة ومقيتة وغير مسبوقة.
لا يحسن أبداً الموقف الباهت وغير الواضح المعالم من المجتمع الدولي تجاه إيران، والتماهي مع أو السكوت عن تحركات وتصرفات إيران، أمر لا يعني سوى تكرار تجربة ألمانيا النازية في نصف القرن العشرين الأول؛ ما يجعل تكراره مأساة وملهاة على حد وصف كارل ماركس.
حين تحلق طائرات القوات الجوية الملكية السعودية فوق سماء الخليج، بشراكة مع نظيرتها الأميركية، فليعلم القارئ مدى موثوقية ومصداقية حوار ولي العهد الذي لا تنقصه الصراحة.