د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

التصميم في كاليفورنيا والتجميع في الصين

هذه هي العبارة المكتوبة خلف غالبية هواتف «آيفون» الأميركية، وهي عبارة مكتوبة على أجهزة «أبل» الأخرى مثل الأجهزة اللوحية والحواسب الشخصية وحتى الساعات والسماعات. فاستثمار شركة «أبل» في الصين استثمار ضخم وطويل المدى، قامت من خلاله الشركة الأميركية بإنشاء مصانع ضخمة مستفيدة من انخفاض تكلفة العمالة الصينية. ومنذ بوادر الحرب الاقتصادية والشركة تبدو في موقف لا تحسد عليه، فانخفضت أسهمها حين بدأ الرئيس الأميركي التهديد بفرض الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، لتعود مرة أخرى وترتفع بعد استثناء شركة «أبل» من هذه الرسوم وكان ذلك في الربع الرابع من العام الماضي، لتعود مرة أخرى لتنخفض بداية هذا الشهر بأكثر من 13 حين فرضت رسوم على سلع صينية إضافية، عادت بعده لترتفع 4 حين أعلن الرئيس التنفيذي «تيم كوك» عن عدم تأثر شركته بهذه الرسوم وبالتصعيد في الحرب الاقتصادية.
وارتباط «أبل» بالصين لا يأتي من كون غالبية أجهزتها تصنع أو «تجمّع» هنالك، بل من عدة نواح أخرى، لعل أهمها هو كثرة الموردين الصينيين للشركة، فمن بين أكبر مورد لشركة «أبل» هناك موردا صينيا، أكثر حتى من الموردين الأميركيين البالغ عددهم !. كما أن السوق الصيني مهم جدا لشركة «أبل» حيث يشكل لوحده ما يقارب من إجمالي عوائد الشركة بمبلغ تعدى مليار دولار عام ، وهو رغم ذلك لا يزال سوقا واعدا للشركة، كيف لا وهو السوق الذي تباع فيه أكثر من ثُلُث الهواتف الذكية في العالم! وفي حين كانت «أبل» تعاني من خسارة حصتها السوقية لشركات منافسة في الصين مثل «هواوي» و«شاومي»، جاءت الحرب الاقتصادية لتزيد الطين بلة، ففي حين كانت تشير التوقعات من قبل إلى أن مبيعات النصف الثاني من عام ستبلغ . مليون جهاز في الصين، انخفضت هذه التوقعات بعد التصعيدات الأخيرة إلى أقل من النصف!
وفي حال استمرت الحرب الاقتصادية بفرض الرسوم الأميركية ومن ثم الرسوم الانتقامية الصينية، فسوف تزيد تكلفة أجهزة الآيفون بشكل مؤثر، فعلى سبيل المثال، سوف تزيد تكلفة سعر «آيفون إكس إس» الذي يباع حاليا بـ دولار بما يقارب دولارا، وستختار «أبل» بين الأمرّين، إما أن تحمّل المستهلك هذه الزيادة، أو أن تتحملها هي، وفي الحالة الأخيرة، فسوف تنقص أرباح الشركة بما يقارب . وما يشفع للشركة حتى الآن هو قربها من الرئيس الأميركي الذي يحميها حتى الآن من الرسوم الإضافية، ولعل ذلك بسبب عودة بعض استثمارات «أبل» إلى الولايات المتحدة بعد الإعفاء الضريبي الذي أقره «ترمب»، والذي جعل «أبل» تعلن عن استثمارات في أميركا تقارب مليار دولار توفر من خلالها ألف وظيفة، وهو الانتصار الذي نسبه «ترمب» لنفسه، وهو لا يرغب – حتى الآن - في إفساد هذا الانتصار.
وليست الصين نفسها في مأمن من هذه الخسائر، حيث تعد «أبل» إحدى كبريات الشركات الأجنبية المساهمة في الاقتصاد الصيني بما يزيد على مليار دولار سنويا. تقوم خلالها الشركة الأميركية بتوفير وظائف لأكثر من مليون ونصف صيني يعملون في مصانع «أبل» بشكل مباشر. كما يعمل أكثر من . مليون مبرمج صيني في إنشاء وتطوير برمجيات لنظام تشغيل «آي أو إس» لهاتف الآيفون. ولذلك فمن المستبعد حتى الآن أن تقوم الصين بفرض رسوم انتقامية على «أبل» تحديدا. بل إن رئيس شركة «هواوي» الصينية نفسه صرح بأنه يعتبر شركة «أبل» بمثابة المعلّم له، وأنه لا يريد الوقوف بشركة قائدة لسوق التقنية مثل «أبل». إلا أن ذلك كله قابل للتغيير «بتغريدة» كما آل الحال هذه الأيام، والصين نفسها بدأت في دراسة قانون للحماية السيبرانية بداعي الأمن الوطني، تماما كما فعلت الولايات المتحدة.
ويبدو أن صناعات الهواتف الذكية تتجه لمستقبل مجهول، فشركة «هواوي» لن تستطيع بيع أجهزة لا تحتوي على تطبيقات أميركية مثل «واتس آب» و«فيسبوك» و«جوجل» و«سناب تشات» و«نت فليكس» وغيرها من البرمجيات الأميركية. ولو لم تحل هذه الأزمة قبل شهر أغسطس (آب) القادم فسوف تدخل الشركة في نفق مظلم. وشركة «أبل» لن تستطيع تصنيع أي جهاز من أجهزتها دون وجود شركة صينية في سلاسل التوريد. كما أنها لا تزال في محاولات بطيئة جدا لنقل مصانعها للهند. أما شركة سامسونج فهي تبدو المستفيد الوحيد حاليا رغم تخبطاتها التصنيعية المتواصلة، وهي لا تزال تحاول الخروج من سلاسل التوريد الصينية وهو الأمر الذي لا يبدو بهذه السهولة.