حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

صراع الفيلة!

الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تزداد سخونة وإثارة. جولات وصفعات متتالية ومتسارعة، فهي في بعض الأحيان تكون علنية وواضحة، وفي أحيانٍ أخرى تحتاج لتمعن وتدقيق وقراءة خاصة لفهم ما وراء الأحداث. فالضربات المتلاحقة والموجعة التي توجهها الإدارة الأميركية للصين عن طريق رفع نسبة الجمارك على المنتجات الصينية ثم وضع إحدى أهم وأنجح الشركات الصينية «هواوي» على القائمة السوداء، والتحذير من التعامل معها في المشروعات التقنية الكبرى ومحاولة حث حلفاء أميركا على السير في نفس النهج، ومن ثم توقف «غوغل» الأميركية العملاقة عن تقديم العون والدعم والمساندة لشركة «هواوي» وهواتفها المحمولة (التي تشكل 16 في المائة من مبيعات الهواتف الجوالة والتي تسعى لأن تكون الشركة الأكثر مبيعاً في الهواتف المحمولة بحلول عام 2020)، مما يعني توقف دعم نطاق التشغيل «أندرويد» التي تعمل به الأجهزة، وكذلك وقف برنامج «جيميل» أشهر برامج البريد الإلكتروني في العالم، وكذلك تطبيق «يوتيوب» المعروف... كل ذلك أدى إلى توقيف «هواوي» لخط إنتاج في مصنعها، وذلك تحسباً لعزوف هائل متوقع في مبيعاتها نظراً للمخاوف والقلق المنتظر من العملاء المستهدفين.
هذه أمثلة «صريحة» عن الحرب التجارية، ولكن هناك أمثلة أخرى لا تقل أهمية، ومن الضروري متابعتها والتمعن فيها، وذلك لفهم الصورة الأكبر. الصين لا تزال تؤمن بأن نموها الاقتصادي هو أكبر وأسرع الطرق فعالية للسيطرة والهيمنة على العالم دون إطلاق رصاصة ولا احتلال عسكري ولا إسالة قطرة دم ولكنها الطريق الأكثر فعالية لتغيير الأمر الواقع حقيقة وبشكل ملموس وعملي على الأرض، ولذلك هي بحاجة لتوفير مصادر الطاقة وتأمينها لتغذية نسب نمو اقتصادية قابلة للاستدامة ويعتمد عليها. ولأجل ذلك استمرت الصين في علاقات عميقة مع دول نفطية مختلفة، وأهم هذه الاستثمارات كانت مع فنزويلا وإيران، وهما الدولتان اللتان شهدتا تدفق مليارات الدولارات من الصين لهما للاستثمار في البنية التحتية للقطاع النفطي. والنظامان في هاتين الدولتين معاديان لأميركا، التي وجهت سلاحها الفعال والمؤثر عليهما، وهو العقوبات الاقتصادية الحادة، الأمر الذي أدى من ثم إلى تدهور في صادرات النفط وإنهاك للاقتصاد فيهما، وأصبحت «قيمة» الاستثمارات «الصينية» أدنى بكثير من المفروض، بالإضافة إلى حظر في التصدير منهما.
في المقابل تجرب الصين «نشر» عملتها بالتدريج حول العالم وتركز في ذلك جغرافياً في كل من القارة الأفريقية وأميركا اللاتينية (أميركا اللاتينية تشكل خطراً مباشراً وهو ما أدركته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب حينما اكتشف أن اليوان الصيني تحول إلى العملة الثانية الأكثر تداولاً في المكسيك بعد البيزو المحلي متخطياً الدولار، وكان ذلك أحد أهم الأسباب التي جعلت ترمب يفرض اتفاقاً بديلاً لاتفاق نافتا). أيضاً تحاول الصين أن تفرض واقعاً جديداً على الأرض في المناطق المتنازع عليها في جزر مختلفة مع اليابان والفلبين وفيتنام وهم جميعاً حلفاء لأميركا.
أميركا تدرك أن الخطر الصيني جاد جداً، وخصوصاً أنها ترى تفوقاً تقنياً يحسب للصين عليها في مجالات الاتصالات والجيل الخامس منها، وكذلك في مجال القطارات فائقة السرعة، وهي المسائل التي جعلت الإدارة الأميركية تتهم الطلبة والسياح الصينيين بأنهم مجموعة من الجواسيس على مستقبل الصناعة الأميركية ويجب التضييق عليهم والحذر منهم.
جولات الحرب التجارية بين الصين وأميركا ستزداد شراسة وضراوة. واليوم تدخل أميركا على الخط الأوروبي بكل قوة لتعد كل دولة «تخرج» من الخط الأوروبي (المنحاز لاستثمارات الصين فيه) باتفاق تفاضلي مع أميركا.
هذه الحرب ليست بين دولتين، ولكن بين قوتين عظميين، وسيكون لها تبعات على أسواق العالم واستقراره. تذكرت هنا المثل الهندي الخالد الذي يقول: «عندما تتصارع الفيلة يموت الحشيش»!