سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

طلب وظيفة

هل حاولت التقدم مرة بطلب عمل، كمعلم مدرسة أو موظف بنك أو موظف كهرباء؟ سوف تلاحظ أن الاستثمارات متشابهة في كل مكان، من الوظائف في الأمم المتحدة إلى وظيفة جليسة أطفال: الكفاءة والخبرة والتجربة والتوصيات التي تحملها من أرباب العمل السابقين.
لن يقبل بك أحد في مصرف، أمينا على مال الناس، إذا لم تكن مؤهلا لذلك، ولا يمكن أن تأتمنك عائلة على أطفالها إذا كنت لامباليا. وإذا كنت لا تحمل توصيات كافية فلن تجد عملا طوال الحياة، لأن أحدا في الدنيا لا يقبل أن يسلم ماله أو صحته أو رزقه إلى مغامر أو غير مسؤول. يخرج متسابق معركة الرئاسة الأميركية إذا تبين أنه غش يوما في امتحانات الثانوية. أو يرغم رئيس أقوى دولة في العالم على الاستقالة لأنه كذب؛ لأن الذي يخدع أو يكذب في أمر صغير، يخدع في أمور كبيرة.
يتقدم المرشحون لمقاعد البرلمان أو مجالس الشيوخ بطلب وظيفة إلى الناس. دوايت أيزنهاور كان بطل الحرب العالمية الثانية دون منازع. ومع ذلك عندما خاض معركة الرئاسة، قطع 30 ألف ميل جوا، و20 ألف ميل برا لكي يعرف الناس بنفسه. كان عليه أن يثبت أنه قادر على أن يكون رجلا مدنيا صالحا أيضا وليس فقط عسكريا مقاتلا. وبعدما أصبح رئيسا قال له صديق: انتبه، لقد كنت جنرالا يطيع الجميع أوامرك وأنت الآن رئيس يقاوم الجميع أوامرك.
المنصب الوحيد الذي لا حاجة له إلى كفاءات وتوصيات وخبرات وتجارب وامتحانات هو الزعامة في بعض أجزاء العالم العربي. يكفي أن تمر بالثكنة. أن تحب الناس ليس شرطا، الشرط أن يواليك الجميع. المعرفة ليست شرطا. الرحمة جبن. فهذه الفوضى الدموية العارمة سببها أن لا شروط ولا مواصفات للحكم في بعض أجزاء العالم العربي. لم يبحث نوري المالكي بين الناس عن حلفاء أو أصدقاء أو شركاء. لقد نشأ في حزب الدعوة، كما نشأ بشار الأسد في حزب البعث، على أن الآخر غريب لا مكان له وقاصر وخائن لأنه غير خاضع للقائد. ورث المالكي فكر صدام حسين في حزب آخر. والمعارضات الدموية تتجاوز الأنظمة لأن الأهلية والكفاءة والخبرة والتجربة ليست واردة في الثقافة السياسية.
الحكم سعة ورحمة وصبر، أولا. جليسة الأطفال تعرف أن عملها هو السهر لا النوم. القاضي يصبح مدعيا عاما بعد أن يتعود على فكرة أن الناس أبرياء، وأن التهمة في حجم جبل. نحن شعب من المدعين العامين، نتهم ونبرئ بالبساطة نفسها. البطولة والخيانة بالبساطة نفسها. ولذلك فإن الحياة والموت، بالثقافة نفسها.