مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

الصورة المستقبلية التي ترسمها الحروب

ما يضير العالم لو أحب الحياة وعمل من أجل السلام، وأدرك حجم خسائر الحربين العالميتين الكبيرتين، وما رسخ في الأذهان عن ذلك التاريخ؟
ما بال إيران! ونظامها لا يعي ما أصاب ذلك الرجل الجبار الذي بسط سلطانه على نصف العالم، وقتل ملايين من البشر حتى أصبحت الدماء أنهاراً جارية. ثم ماذا حل بديكتاتورية هتلر الزعيم الأسطوري! بل هناك ما هو أسوأ من ذلك، رغم دمويته وديكتاتوريته، هزمته الأضواء والغرور، ونجح الروس والجيش الأحمر في كسر جميع الحواجز في برلين، وأشعلوا الحرائق، وتساقطت إمبراطوريته كالحمم الملتهبة، وشهد العالم انهياره ومصرعه.
وفق هذا، نسلم بأن على الأنظمة الحاكمة المستبدة قراءة التاريخ الذي لم يترك شيئاً للنسيان، والمغزى هنا إيران، لذلك نقول: لن ينقذ طهران عنادها وخرقها للقوانين الدولية وتهديدها لجيرانها وحلفائهم، فالعالم برمته يقف ضدها، لإيقاف تعنتها وإرهابها الذي طال المنطقة، وتحرير شعبها من الظلم والاستبداد. فالهدف الأساسي من إدارة المجتمعات وضع قواعد الاستقرار؛ حيث إن البشر بحاجة إلى قائد وحكومة وامتيازات ووعي سياسي وسلطة تشريعية وتنفيذية، وقرار حكيم يدير شؤونهم.
ولولا حاجة الإنسان للسلام لما خاض حروباً ضد الاستبداد، وضد الأنظمة الظالمة التي تقوم بالانقلابات وإزاحة الحكومات الشرعية، ولما اتحدت القلوب والأرواح في قمم مكة الثلاث، التي أصدرت بياناً مفصلاً لصد الظلم والعدوان عن دولة اليمن الشقيقة، وإعادة مشروعية الدولة وغاياتها، من نظام سلطوي يريد إسقاط الحكومة من أجل سلطة سياسية فارسية أخرى، وإدانة الأعمال الإرهابية ضد ناقلات النفط السعودية والإماراتية في مياه الخليج العربي، وكذلك إدانة الصواريخ الباليستية على عدة مدن في المملكة العربية السعودية.
لقد غيرت الحرب العالمية الثانية الخريطة السياسية والعسكرية، والبنية الاجتماعية في العالم، وأصبحت الدول المنتصرة دولاً عظمى لها نفوذ واسع وأعضاء دائمون في مجلس الأمن. كما ذكر لنا التاريخ وسطرت الأحداث هذه الحقائق، فكانت نتائج هذه الحروب قاهرة، وثقها التاريخ ذات نزاعات واتفاقيات وحشود وترسيم جديد ونفوذ جارف، لا مكان للتشكيك فيه؛ لأنه بعيد عن الديمقراطيات آنذاك.
لم يكن للحب مكان ولا للتنازل قيمة منشودة، فقد كانت سياسة الأنظمة الفاشية خارجية عدوانية توسعية، وكذلك الحال في نقض المعاهدات وتطوير آلة الحرب. معظم الدول تعد لمسار القوة العسكرية، وإدارة قتالية لا تبحث إلا عن مستقبل ترسيم الحدود وإحصاء الخسائر الفادحة، إلى أن تمت السيطرة، واعتُقل موسوليني وتم إعدامه، فكانت نهاية الحرب، وبقيت الدول في انتظار معاهدات السلام.
وأولئك الذين انطلقوا من المعنى الحرفي للحرب، عايشوا مساوئ الحرب العالمية الثانية، فكان تراجع دور الدول الأوروبية واضحاً في حضرة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وما دل عليه في المقام الأول تلك التبعات المؤلمة على الوطن العربي، بعد النزاع الدولي المدمر. وحال الموقف يخبر أن قضية فلسطين كانت نهاية المسلسل الضخم. هذا المسلسل الذي كلف القادة العرب وشعوبهم كثيراً من الجهد والمال والأرواح والحزن والألم، عندما رفعت بريطانيا النزاع العربي - الإسرائيلي إلى هيئة الأمم المتحدة، وحصل تقسيم الدولة الفلسطينية إلى قسمين: عربي ومستعمر، في سنة 1947، واستغلال الثغرات، وضعف الدول العربية، وحلت بالتاريخ العربي أكبر نكباته وأعظمها خيبة.
لم يكن من قبيل المصادفة أن تقع هذه التغيرات، فقد كانت غاية الحرب آنذاك الاستعمار والصراع والغزو، وأقل ما يُقال عنها إنها قدرة عسكرية تنتهك القوانين الدولية وتستبيح الحقوق والأراضي الفلسطينية، وتقتل شعباً لتضع مكانه حشوداً مشردة في جميع أنحاء العالم. استخدمت كل أوجه الاستبداد، ومنها الثأر الألماني بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، والشروط القاسية التي فُرضت عليهم، وانهيار القوة العظمى في أوروبا، والكرامة التي انتهكت.
إذن، هو الانتقام والثأر، ولا مكان للسلام أو الحب. هي حرب طاحنة من أجل بقاء الأقوى في تلك العهود الماضية، ثم بوضوح مزلزل هي سيطرة عن طريق المنافسة على احتلال أكبر جزء من العالم، إذ لا بد من التذكير بأن بعض الحروب تكون للدفاع عن الحقوق والأرض من مستبد غارق في الإرهاب، دفاعاً عن السلطة الشرعية لدولة شقيقة تشترك في الحدود واللغة والجوار، هي الحرب التي قادتها المملكة العربية السعودية في عهد حكامها العظماء، فكانت جميعها لتحرير الشرعية الكويتية من الغزو، والدفاع عن البحرين وتمكين شعبها من الأمن، ودحر الميليشيات التي تسببت في الفوضى والفتنة، والقضاء عليها، وأما الحرب الأخيرة فهي لإعادة الشرعية للحكومة اليمنية.
فالعمليات العسكرية هنا من أجل سلام دائم، بدافع الحب وأشياء أعظم في قانون البشرية، وليست تفاصيل الأحداث ليتناولها الإعلام فقط؛ بل هو في واقع الأمر عمل جسور وعظيم في المنطقة، لتحافظ السعودية ودول التحالف على شرعية الدول الشقيقة وحقوقها من الأزمات السياسية، والتدخلات الأجنبية التي تريد زعزعة أمنها واستقرارها، فالمسؤولية التي حملتها دولة كبرى مثل المملكة العربية السعودية، قبلة مليار ونصف مليار مسلم، هي في الحقيقة دور حقيقي لصنع الاستقرار في المنطقة، وأيضاً القرار الاقتصادي العالمي، وليس بغريب عليها أن تقوم بالمهام الكبيرة القيادية والريادية في المنطقة، لما لها من نفوذ يؤهل إلى استقرار إقليمي ودولي، ويصنع السلام الدائم لكل الشعوب العربية وحكوماتها.
سيعترف المرء - لا شك - بأن تجاوزات إيران تؤكد حقيقة الخطر النابع من ذاتها وأطماعها، كسائر مجرمي الحرب الذين حاربوا من أجل الاستعمار. فقد اعتادت على إشباع نهمها بالدم والكراهية، ولن تغيرها الحياة مهما تواترت وتعاقبت أحداثها، تعيش على قدر عظيم من الإيذاء والتناقضات، ونمط ثقافتها السائد تفرضه بالقوة المهيمنة ليكون له أثر مناهض للسلم، يسكنه الغدر والخيانة.