توبين هارشو
TT

أميركا بحاجة إلى أسلوب جديد للحرب

نقل عن أحد الضباط الألمان في أثناء الحرب العالمية الثانية قوله: «واحدة من أخطر المشكلات لدى التخطيط للقتال ضد العقيدة الأميركية أن الأميركيين لا يقرؤون إرشادات العمل الخاصة بهم، ولا يشعرون بأدنى التزام تجاه اتباع عقيدتهم». وحتى لو كانت هذه العبارة مختلقة، فإنها تظل دقيقة، ذلك أن محاولة ابتكار طريقة جديدة في أثناء العمل تعتبر واحدة من السمات المميزة للشخصية الوطنية الأميركية.
وإذا كان هناك «أسلوب أميركي للحرب»، ستكون هناك مشقة بالغة في وصفه وتحديد ملامحه. وعليه، تحدثت خلال هذا الأسبوع إلى اثنين من المسؤولين حاولا خوض غمار هذه التجربة، أولهما سوزانا في. بلوم، نائبة مدير برنامج الدفاع لدى «مركز الأمن الأميركي الجديد» (سنتر فور إيه نيو أميركان سيكيوريتي) التي سبق لها العمل في البنتاغون. أما الآخر فهو كريستوفر إم. دوتري، الزميل البارز لدى برنامج الدفاع التابع لـ«مركز الأمن الأميركي الجديد»، المخطط الاستراتيجي السابق لدى البنتاغون، الذي عاون في صياغة «استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2016» التي تعتبر أقرب وثيقة إلى كونها عقيدة عسكرية تصدر عن البنتاغون. ويدور المشروع الجديد الذي يتعاون بخصوصه الاثنان حول «أسلوب أميركي جديد للحرب».
من جهته، شرح دوتري أنه عند النظر إلى الحروب المستقبلية الممكنة، خصوصاً في مواجهة قوى عظمى، نجد أن الولايات المتحدة تقدم على كثير من المخاطر، وهي مخاطر ممنهجة ومنتشرة عبر مختلف المهام والمؤسسات. وعليه، يتطلب هذا الوضع إعادة التفكير في كيف تخوض القوات المسلحة الأميركية حروبها.
وأوضحت بلوم أن الولايات المتحدة القوة العظمى الأولى الآن، لكن الحفاظ على هذا الوضع، وضمان استدامته في المستقبل، يتطلب إعادة النظر على نحو جوهري في أسلوب قتال القوات الأميركية، بالنظر إلى القفزات الكبرى التي حققتها قوى منافسة، على صعيد التوصل لسبل للتصدي لعناصر تميزنا.
وأعرب دوتري عن اعتقاده أنه من بين مجالات الحرب الخمسة: الجو والبر والبحر والفضاء والمعلومات - المجال السايبري، يتعين على الولايات المتحدة التحرك نحو تعديل توجهاتها الحالية فيما يخص المعلومات - المجال السايبري، ومن بعده مباشرة الجو والفضاء. ورغم أهمية المجالات الأخرى، فإن هذه الثلاثة تشكل الدعائم الأساسية. وقال دوتري إن الأدبيات العسكرية الصينية والروسية، وكذلك الاستثمارات العسكرية بالبلدين، تكشف بوضوح عزمهما مهاجمتنا في هذه المجالات الثلاثة، لاعتقادهما الصائب أن هذه هي المجالات التي يمكنهما من خلالها التفوق على نقاط تميزنا، وتعويض نقاط القصور لديهما.
من ناحية أخرى، حللت بلوم الميزانية التي اقترحها البيت الأبيض قريباً، وقالت إنها تضمنت بعض العناصر الإيجابية، مثل الاستثمارات الكبيرة التي وجهها الأسطول الأميركي إلى مركبات السطح ومركبات تحت السطح دون قائد، بجانب عمليات شراء ضخمة لذخائر. ومع هذا، تبقى نقطة قصور كبرى، من وجهة نظر بلوم، في التركيز المبالغ فيه على حجم القوة، مما يؤدي إلى قدر غير ملائم من التركيز على ما يمكن للقوة تحقيقه داخل بيئة شديدة الاحتدام.
ربما يتمثل الأصل صاحب الرمزية الأكبر للأسلوب الأميركي القديم في خوض الحرب في حاملة الطائرات، لكن القوات البحرية ترغب في أسطول جديد تماماً من سفن ضخمة طراز «فورد»، فهل هذا خطأ؟
هنا، شرح دوتري أن الإجابة تتطلب الإجابة عن ثلاثة أسئلة داعمة. أولاً: ما الرؤية المستقبلية لدى الأسطول إزاء دور ناقلات الطائرات؟ وقال إنه إذا ظلت هذه الرؤية مثلما كانت في الماضي القريب تدور حول استغلالها كمنصات لعمليات جوية قصيرة المدى نسبياً في بيئات سهلة، مثل العراق وأفغانستان، فإن هذا ربما يكون خطأ. واستطرد: أما إذا كانت حاملة الطائرات ستعمل كأداة لشن عمليات طويلة المدى للسيطرة على البحر والهجوم، وتنفيذ هجمات ضد الغواصات داخل المحيطين الهندي والهادي، فإن هذا الأمر ربما يكون مفيداً.
ثانياً: كيف سيكون شكل القوة الجوية على ظهر الحاملة؟ وأوضح دوتري أنه إذا استمر الأسطول في شراء طائرات مقاتلة قصيرة المدى مثل «إف-إيه 18» و«إف - 35»، ستتضاءل أهمية حاملات الطائرات. أما إذا استعان بعناصر جوية أكثر تنوعاً يمكن المقايضة فيما بينها تبعاً لاحتياجات المهمة، فإن هذا سيمكن الناقلات من دعم نمط العمليات طويلة المدى اللازمة لمواجهة الصين وروسيا.
ثالثاً: ما التكاليف؟ ذكر دوتري أن الناقلات تمتص كثيراً من الموارد، لكنها توفر (حالياً) كثيراً من القدرات. وحال استمرار التوجهات الراهنة، سترتفع التكاليف، بينما تتراجع القدرات في مواجهة القوى الكبرى المنافسة. وشرح دوتري أنه في عالم الغواصات الهادئة والصواريخ فوق الصوتية المضادة للسفن، يبدو من غير المنطقي أن يركز الأسطول هذا القدر الكبير من قوته القتالية داخل أصول نادرة وباهظة الكلفة نسبياً.
وأضاف دوتري أن المشكلة تكمن في أن نشر القوة القتالية على مسافة كبيرة يؤدي عادة إلى تراجع القوة القتالية بوجه عام، والقدرة على الصمود في وجه هجوم من العدو. وعليه، يرى دوتري أنه يتعين على الأسطول التوصل إلى سبل لتوزيع القوة القتالية بفاعلية، دون الإضرار على نحو ملموس بمجمل القوة القتالية.
ومن ناحية أخرى، ثمة إجماع قوي داخل مجتمع الأمن الوطني على أن روسيا والصين تشكلان التهديدات التي تنبغي صياغة الاحتياجات العسكرية تبعاً لها، لكن يبقى الإرهابيون قائمين، وفي تزايد، فكيف يمكن للولايات المتحدة إحداث تحول في توجهها حيال التنافس مع قوى كبرى، دون فقدان قدراتها على التصدي لكيانات غير تابعة لدول؟
وهنا، أجابت بلوم أنه ثمة سبل مختلفة لتناول التهديدات الصادرة عن عناصر لا تتبع دول تتطلب كل منها موارد مختلفة، منها غزو واحتلال بلد ما لسنوات، في محاولة لإعادة صياغتها على نحو يشبه توجهاتنا. ويتطلب هذا التوجه قدراً هائلاً من الموارد، وغالباً ما لا يحقق نجاحاً كبيراً. ويتمثل توجه آخر في التركيز على هؤلاء الأفراد وهذه الجماعات التي تملك النية والقدرة على مهاجمة الولايات المتحدة، وتجريدها من قدرتها على فعل ذلك. ويتطلب هذا التوجه مالاً وقوة بشرية، لكنه يحتاج إلى قدر أقل بكثير من الموارد عن التوجه السابق. وتؤيد بلوم التركيز على التوجه الأخير، مع توجيه استثمارات معقولة إلى منصات غير مرتفعة التكلفة مصممة للعمل على نحو يعكس ترشيداً للنفقات داخل بيئات سهلة، وبذلك يجري توفير موارد أخرى لضمان استدامة التفوق التكنولوجي العسكري الأميركي.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»