وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

ماذا يجب على «أوبك +» فعله في يونيو؟

لم تعد القدرة على التنبؤ باتجاه أسعار النفط بالأمر اليسير لأي محلل ومراقب هذا العام. ففي العادة من الطبيعي أن تعكس أسعار النفط تغيرات العرض والطلب، خصوصاً عندما يكون هناك تهديد كبير يمس العرض، ويؤدي إلى شح الإمدادات، لكن هذا الأمر لم نشاهده مؤخراً رغم كل التوقعات بأن تصبح السوق «محكمة» في الأشهر المقبلة، بمعنى أن هناك شحاً في الكمية المتاحة من النفط للمشترين.
لماذا السوق محكمة؟ إذا نظرنا لميزان العرض والطلب، فإن العرض من المحتمل أن يتقلص من جهة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). فهناك مخاوف حول انقطاع النفط الليبي، إذ إن البلاد على شفير حرب أهلية، فيما سيواجه النفط الإيراني المزيد من العقوبات الأميركية، وينقطع بكميات أكبر من الأسواق. وتعرضت السعودية لعدة هجمات على منشآتها النفطية، وتضررت اثنتان من ناقلاتها النفطية جراء هجوم في مضيق هرمز.
وإذا كان كل هذا غير كافٍ، فإن النفط الفنزويلي في تراجع مستمر منذ العام الماضي نتيجة الظروف السياسية والأمنية السيئة التي تمر بها البلاد، التي تزعم أن لديها أكبر احتياطي نفط مؤكد في العالم.
كل هذا وأسعار النفط هبطت في بورصتي نيويورك ولندن، الخميس، حيث شهد «برنت» أسوأ هبوط يومي له هذا العام، وانخفض قريباً من 5 في المائة، ليتم تداوله تحت 70 دولاراً. أليس من الطبيعي أن ترتفع الأسعار بشكل جنوني في هذه الظروف الجيوسياسية غير الواضحة تماماً مثلما حدث في عام 2011؟
نعم، ولكن ما حدث هو أن المتداولين في الولايات المتحدة لم يعد يهمهم ما يحدث خارج الولايات المتحدة، لأن النفط متوفر بكثرة في السوق الأميركية، ومن الغريب أن في هذه الظروف هيكل منحنى أسعار نفط «برنت» في وضعية «الباكورديشين»، وهي أن تصبح أسعار النفط في المستقبل أقل من أسعاره الحالية، فيما من المتوقع أن تكون في الوضعية المقابلة، وهي وضعية «الكونتانغو»، أو الترقب، نظراً لأن أسعاره مستقبلاً أعلى من أسعاره الحالية جراء شح الإمدادات القادم.
إذا كانت السوق في وضعية «الباكورديشين»، فهذا معناه أن التجار يتوقعون أمرين؛ إما هبوطاً كبيراً في الطلب أو ارتفاعاً كبيراً في المعروض. بالنسبة للعامل الأول فهو متوفر بقوة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إذ إن حربه التجارية مع الصين متوقع أن تؤثر في الطلب على النفط، إذا ما استفحلت، نظراً لتأثر الاقتصاد في الصين، التي تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم حالياً.
وبالطبع فإن الحديث هنا عن أسعار نفط «برنت» وخام غرب تكساس، أما السوق الفعلية فتعكسها أسعار دبي والنفوط المتوسطة والثقيلة التي تنتجها دول الخليج، ونظراً لشح معروض هذه الخامات، فإن سعر خام الكويت للتصدير مقارب لسعر «برنت»، رغم التفاوت الكبير في الجودة لصالح الأخير، وهذا دليل على أن سوق الخامات المتوسطة والثقيلة محكمة.
وفي الجهة الأخرى، فإن الإمدادات في الولايات المتحدة متوقع أن ترتفع بنهاية العام مع الانتهاء من توسعة البنية التحتية لنقل النفط، فهناك مجموعة من خطوط الأنابيب في حقل البريميان، من المتوقع أن تدخل في الخدمة، مما سيتيح للمنتجين في البريميان زيادة إنتاجهم.
ومن العلامات المحيرة هو أن التحوط في سوق النفط منخفض هذا العام، إذ لم تتجاوز العقود التي تم التحوط عليها كمية صغيرة في حدود 700 ألف برميل، وهي أقل من الأعوام الماضية، وهذا دليل أن السوق تتوقع انخفاضاً قادماً في أسعار النفط.
ولكن ما جعل الأسعار تهبط بشدة يوم الخميس هو بيانات المخزونات الأميركية التجارية، التي سجلت أعلى مستوى لها في سنتين الأسبوع قبل الماضي بعد ارتفاعها 4.7 مليون برميل، في الوقت الذي كانت السوق تتوقع انخفاضها بنحو 600 ألف برميل. وشهدت مخزونات البنزين في أميركا الأمر ذاته في وقت يشهد فيه الطلب على الوقود هناك الذروة.
أمام هذه المعطيات، سوف تجتمع «أوبك» مع باقي المنتجين المستقلين في تحالف «أوبك +»، الشهر المقبل، في فيينا، وسيكون أمام التحالف خياران لمواجهة هذه السوق الضعيفة للنفط، الأول هو مواصلة خفض الإنتاج لمواجهة الزيادة المتوقعة من الولايات المتحدة، أو زيادته لتعويض النقص المتوقع من منتجي «أوبك».
هناك تباين في وجهات النظر بين السعودية وروسيا، إذ تميل السعودية إلى خفض الإنتاج من أجل منع تراكم النفط في المخزونات، فيما ترى روسيا أن على الجميع مراعاة الانقطاعات من «أوبك» وتعويضها.
إن «أوبك» تبحث عن أسعار نفط تلائم ميزانيتها، فيما يبدو أن روسيا سعيدة بالأسعار الحالية تحت 70 دولاراً. إن دخول روسيا إلى الاتفاق حقق لها مكسباً مهماً، وهو ليس سعر نفط عالياً، بل أرضية لسعر النفط مدعومة بالاتفاق.
ما يهم الآن هو أن يفهم الجميع أن الطلب على النفط مهدد هذا العام، وأسعار النفط عند 80 دولاراً فيما فوق، لن تساعده على التعافي، ولذا من المهم أن يحافظ المنتجون على حزمة بين 60 إلى 70 دولاراً.