مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

حكايا الماضي: من نهبَ مخطوطات نجد؟

نصل الحديث الماضي بالحاضر، فالذاكرة المحلية لسكان نجد وكل الجزيرة العربية، تحتفظ بذكريات كئيبة عن الحضور العثماني.
ليس فقط من خلال القتل والغدر والذبح الجماعي، كما حصل بمجزرة «الحظيرة» في ثرمداء ضد الشيوخ والنساء والأطفال، على يد المجرم العثماني حسين بك، وأمثال ذلك كثير، ولكن من خلال «الإجرام الأدبي» بحق الشخصية العربية النجدية.
لقد حصلت جريمة حضارية بحق الدولة السعودية الأولى على يد القوات العثمانية المأمورة من قبل الباشا محمد علي المأمور بدوره من سلطان الآستانة.
هذه الجريمة تتمثل بنهب التراث العلمي الفذّ للدرعية وتدميره، فقد كانت قبلة العلم والعلماء في تلك المرحلة.
في أول مقدم حسين بك إلى نجد، بعد سقوط الدرعية 1818 عاصمة الدولة السعودية الأولى بقليل، نقل المؤرخ النجدي «ابن بشر» في تاريخه وقائع يندى لها الجبين.
نركز اليوم على هذه الجريمة العلمية، من خلال الشيخ «الزللي» قاضي حملة حسين بك، الذي نظّم عملية نهب المخطوطات السعودية النادرة جداً، باعتراف المحايدين، وليس فقط مؤلفات النجديين، أو رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، على قيمة هذه الأدبيات، بل مؤلفات مرجعية ضاربة في القدم لعلماء العراق والشام ومصر واليمن. خاصة بعلم الحديث والرجال.
في دراسة ثرية للباحث السعودي حمد العنقري يذكر لنا أنه لما غادر إبراهيم باشا الدرعية حمل كل ما وجده فيها من الكتب، وعند وصوله مدينة حريملاء انتقى منها عشرة أحمال وأحرق البقية. ونقل إلى المدينة المنورة مجموعة من الكتب سلمها إبراهيم باشا لإسماعيل آغا ناظر الأبنية بالمدينة المنورة.
احتار الغزاة في ماذا يفعلون بهذه المكتبة الغنية، خاصة أنها تشتمل على أصول إسلامية قديمة، وبعد مباحثات بين محمد علي باشا والسلطات العثمانية صدر قرار سلطاني بوضع مجموعتي الكتب المصادرة من نجد والدرعية في مكتبة المدرسة المحمودية.
يخبرنا الباحث العنقري أن المخطوطات السعودية التي صودرت صنفت في مجموعتين هما مجموعة إبراهيم باشا ومجموعة حسين بك وعددها 872 مجلداً!
يعلق الكاتب الأردني مهند مبيضين، مقالته بجريدة الحياة، على دراسة العنقري حول الثراء العلمي بالدرعية، بالقول: «الدرعية ورجال الحركة الوهابية في الجيل الأول خاضوا نقاشات فكرية، وانفتحوا على أقرانهم في الحواضر العربية المجاورة، ولم يكونوا منغلقين على فكر ابن عبد الوهاب فحسب».
ما مصير هذه المخطوطات الثمينة؟ أين ذهبت؟ ما هو حالها اليوم؟ وهل يحق للدولة السعودية المطالبة بها؟ وهل فيها رسائل لم تنشر بعد لأمراء وعلماء الدولة السعودية الأولى مع بقية العالم الإسلامي؟
هذا فقط مثال «حي» على طبيعة الذكريات السعودية عن الباشا العصمنلي.