آدم مينتر
TT

العودة إلى القمر

في عام 1961 وضع الرئيس الأميركي جون كينيدي هدفاً نصب عينيه تمثل في وصول الأميركيين إلى القمر بحلول نهاية العقد. وبعد ثماني سنوات، تحديداً 20 يوليو (تموز) 1969، تحقق طموحه. وعلى مدار السنوات الثلاث التالية، نفذ رواد فضاء أميركيون رحلات منتظمة، وإن كانت قصيرة، إلى سطح القمر. وانتهت هذه الرحلات في ديسمبر (كانون الأول) 1972 عندما غادرت مركبة «أبولو 17» سطح القمر في طريقها إلى الأرض. ومنذ ذلك الحين، لم يغامر أي من بني البشر، وليس من الأميركيين فحسب، إلى الخروج لما وراء المدار الأرضي المنخفض.
الآن، أعلنت إدارة ترمب رغبتها في تغيير هذا الوضع. في أواخر مارس (آذار)، أعلن نائب الرئيس مايك بنس أن «السياسة المعلنة» للبيت الأبيض تدور حول عودة رواد الفضاء الأميركيين إلى سطح القمر خلال السنوات الخمس القادمة.
ويبدو الموعد النهائي القصير ذكياً، بجانب كونه طموحاً بالتأكيد. ومع هذا، فإن أي رحلة أميركية جديدة إلى القمر لا يمكن أن تدعي نجاحها إلا إذا ركزت على تعزيز التكنولوجيات والبنية التحتية والدوافع التجارية التي تضمن أن تصبح مثل هذه الرحلات أكثر من مجرد حدث يتكرر مرتين كل قرن.
من جانبه، أولى كينيدي دعمه لميزانية ضخمة لجهود استكشاف القمر بدافع من خوفه من وصول السوفيات إلى القمر أولا. وبالتالي، فإن دوافعه كانت مختلفة تماماً عن دوافع الإدارة الحالية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، استحوذت وكالة «ناسا» على نحو 5 في المائة من الميزانية الفيدرالية خلال الستينات. وبمجرد إنجاز المهمة، انحسر التمويل. واليوم، تحصل «ناسا» على نحو 0.5 في المائة فقط من الميزانية الفيدرالية.
في ظل غياب تهديد أجنبي واضح المعالم، طوى النسيان البرنامج الأميركي للاستكشاف البشري للفضاء الذي كان يتميز ذات يوم بقوة هائلة. على سبيل المثال، نجد أن «نظام الإطلاق الفضائي» - «إس إل إس» - وهو صاروخ بتكلفة 12 مليار دولار يسعى لإعادة الأميركيين إلى القمر، تجاوز ضعف التقديرات المتعلقة بتكلفته، بينما أصبح متأخراً عن جدوله الزمني بسنوات. وتبعاً لوتيرة العمل الحالية، لن يحمل الصاروخ أميركيين إلى القمر حتى عام 2028، أي بعد 18 عاماً من أول تمويل يوجهه إليه الكونغرس.
من ناحيته، لم يبد ترمب قط اهتماماً بالفضاء أثناء سنوات عمله التجاري، ناهيك عن فترة حملته الانتخابية. ومع هذا، يبدو في الوقت ذاته مهووساً بالتنافس التكنولوجي من جانب الصين أمام الولايات المتحدة. ورغم أن بكين ما تزال متقهقرة عن واشنطن عدة عقود على هذا الصعيد، نجح الصينيون في السنوات الأخيرة في إنزال مركبات على القمر وينوون إرسال مزيد من الرحلات خلال العقد التالي، الأمر الذي قد يؤدي إلى إرسال رحلة بشرية بحلول ثلاثينات القرن الحالي. وفي تلك الأثناء لم تخف الحكومة الصينية أنها تنظر إلى القمر باعتباره أصلاً عسكرياً واقتصادياً استراتيجياً مستقبلياً.
وسعياً للتصدي للطموحات الصينية، زادت إدارة ترمب ميزانية «ناسا» ودعمت إقرار إصلاحات تنظيمية لتعزيز القطاع الفضائي التجاري وأطلقت «قوة الفضاء» العسكرية. الآن، ترى الإدارة أن الوقت حان لاستعادة الدور الأميركي الرائد بمجال استكشاف الفضاء.
المؤكد أن هذا الأمر لن يكون سهلاً أو زهيد التكلفة. جدير بالذكر أن الهيكل الأساسي للمهمة سيعتمد على الصاروخ «إس إل إس» ومحطة فضائية لم يتم بناؤها بعد في مدار القمر ومركبة للهبوط على سطح القمر سيجري بناؤها بالتعاون مع شركة خاصة.
من ناحيته، أشار تقرير نشرته «آرس تكنيكا» إلى أن «ناسا» قد تطلب الحصول على ما يصل إلى 8 مليارات سنوياً من أجل هذا المشروع. وبينما يبدو من الواضح أن ترمب يرغب في ضمان نسب الفضل إليه عن الهبوط على القمر قبل نهاية فترة رئاسته الثانية الممكنة، فإن إقرار جدول زمني متسرع يبدو حكيماً بالفعل.
قبل مارس، لم يكن لدى «ناسا» سوى خطط مبهمة لنقل بشر إلى القمر عام 2028 بالاعتماد على مخطط عام جرى إقراره في عهد إدارة أوباما. وتكشف عقود من التجارب المحزنة أن الخطط الفضائية باهظة التكلفة الممتدة عبر إدارات رئاسية مختلفة تميل لأن يتم إلغاؤها. وعليه، فإن إسراع وتيرة الجهود، بافتراض أن كل الخطوات يجري اتخاذها على نحو آمن، يمنح المشروع فرصة أفضل للنجاح.
أيضاً، إطار العمل المحدد بخمس سنوات يحمل ميزة إجبار أهم المقاولين المتعاونين مع «ناسا» - خاصة «بوينغ» وعددا من الشركات الأخرى المرتبطة بمشروع صاروخ «إس إل إس» المتأخر عن موعده والمتجاوز لميزانيته - على العمل على إثبات فاعلية التكنولوجيات التي يبتكرونها. وإذا عجزت هذه الشركات عن الالتزام بالموعد النهائي المحدد، فإنه لا معنى وراء الاستمرار في تمويلها، خاصة في وقت تعكف شركات فضائية خاصة مثل «سبيس إكسبلوريشن تكنولوجيز كورب» المملوكة لإيلون موسك و«بلو أوريجين إل إل سي» المملوكة لجيف بيزوس على تطوير قدرات خاصة بها للوصول إلى القمر.
ومع هذا، فإن أي هبوط بشري أميركي على القمر لن يكون سوى مجهود دعائي باهظ التكلفة، إذا لم يحمل وراءه خطة - ويعتمد على بنية تحتية بالمعنى الحقيقي - لضمان أن تصبح مثل هذه المهام روتينية وفي المتناول. ويعني ذلك ضرورة أخذ احتياجات القطاع التجاري في الاعتبار منذ البداية. في مثل تلك اللحظة فقط، يصبح بمقدور «ناسا» أن تأمل في بناء قاعدة دائمة لها على القمر تدعم مبادرات عامة وخاصة (وتقف كثقل موازن لخطط الصين ببناء قاعدة مشابهة).
إلا أن المؤشرات الأولى ليست مبشرة، ذلك أن قرار «ناسا» بإطلاق المهمة بالاعتماد على «إس إل إس» باهظ التكلفة يقضي على فرص الشركات التجارية الخاصة الطامحة لجعل السفر إلى القمر نشاطاً مربحاً. وبالمثل، من الصعب التعرف على جدوى إطلاق محطة فضائية باهظة التكلفة حول القمر في وقت لا تبدي الشركات الفضائية التجارية - حتى الآن - اهتماماً باستخدامها كمنصة لاستكشاف القمر.
أما النبأ السار فهو أن «ناسا» لمَّحت بقوة إلى أنها تتوقع أن يلعب القطاع الفضائي التجاري دوراً في المهمة الجديدة. وقبل أن يلتزم الكونغرس بتمويل المهمة، يتعين على «ناسا» وضع خطة واضحة لكيف تمهد هذه المهمة الطريق أمام المهمة التالية، وكذلك للوجود الأميركي الدائم على القمر.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»