حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

دراما جريئة!

الكراهية والعنصرية والإرهاب وأحداثها المؤلمة التي عرفها التاريخ تم توثيقها وتقديمها روائياً وسينمائياً ودرامياً ومسرحياً حتى تبقى في الوجدان العام، وتستفيد منها الذاكرة الجمعية للمجتمعات، حتى تظل حية في الضمير، ولا تعود نفس الظواهر مجدداً.
أعمال كثيرة عن النازية والعبودية والحروب الصليبية أنتجت لتكون ضوءاً مسلطاً على مراحل سوداء وظلامية. حتى العالم العربي فتح ملفات حرجة، وخصوصاً المتعلقة بالتشدد الديني، ففتحت ملفات جماعة «الإخوان المسلمين» و«القاعدة» و«داعش» ورموزها، وطرق تعاملها مع الغير، وأساليب جذبها للشباب، وكلها محاولات مهمة لقيت القبول الجماهيري العريض وحركت المياه الراكدة فكرياً، وإن كانت تبقى ناقصة، حيث إن الدراما العربية وشقيقاتها السينمائية والروائية والمسرحية لا تزال تخشى التعرض لمواجهة الإرهاب الخميني وإرهاب تنظيم «حزب الله» وإرهاب حسن نصر الله، والسبب الرئيسي لذلك هو التهديدات الجادة بالقتل التي تلقاها المنتجون اللبنانيون الذين فكروا في طرح أعمال عن هذه المجامع التكفيرية الإرهابية. ونظراً لسجل تنظيم «حزب الله» الإرهابي وكم القتل المهول الذي أحدثه تؤخذ تهديداتهم بجدية.
والآن ليستعد متابعو الدراما الرمضانية لحدث جريء جداً ونموذج مهم للتعامل مع التاريخ، حيث يأتي الجزء الثاني من العمل الدرامي السعودي «العاصوف» ليدخل في أعماق إحدى أهم الأحداث والمنعطفات المؤثرة في التاريخ السعودي المعاصر، وتحديداً المقصود هو حادثة احتلال الحرم المكي الشريف من عصابة جهيمان المجرمة الدموية التكفيرية وترويعها للمسلمين وقتلها الأبرياء، مما أدى إلى توقف إقامة الصلاة فيه لأيام غير قليلة.
أعدم المجرم جهيمان وزمرته الفاسدة والإرهابية، ولكن فكره التكفيري المتشدد والظلامي انتصر، ودخلت البلاد والمنطقة مرحلة كريهة من التشدد والتطرف والتضييق بأحكام وفتاوى مبنية على نظرية غريبة للدين، لا علاقة لها بحسن الظن ولا روح النص ولا مقصد الشريعة. فريق يحتل الحرم، ويقتل المصلين فيه بحجة الدفاع عن الإسلام، كفريق يقتل شعباً دفاعاً عن طاغية.
ابتلي الدين برموز مجرمة تقتل بحجة الدفاع عنه. كلهم سواء. الدراما تكشفهم وتعريهم ولا تجملهم. لا يزال هناك من يدافع «بخجل» عن كل هؤلاء ويصفهم بمن ضلوا وأضاعوا الطريق، رافضاً تفنيد أصل الفكر نفسه، وتسليط الضوء على الخلل العميق فيه. الدراما تفعل ذلك للتاريخ وللأمانة.
حادثة جهيمان المجرم واحتلاله للحرم المكي وصمة عار، مثلها مثل وصول الخميني إلى الحكم. تلوثت المنطقة بعدها ولا تزال تدفع الثمن حتى اليوم. الدراما تؤدي دوراً مهماً بتسليط الضوء على مراحل كان من المحظور الحديث عنها بشفافية ووضوح وجرأة. الزمن تغير ولم يعد هناك داعٍ للخوف أو المجاملة. أتمنى أن يستيقظ منتجو الدراما في العراق وسوريا ولبنان للأمر ويتجرأوا لإنتاج أعمال تفضح إرهاب وإجرام «الحرس الثوري» و«حزب الله» وقاسم سليماني وحسن نصر الله وغيرهم. وقتها من الممكن القول إن الدائرة اكتملت.