ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

المنافسة المالية الخاصة بـ«بريكست» تدخل مرحلة جديدة

نادراً ما كان يبدو على واضعي السياسات الحرص على تمزيق وفصل الصلات التي تربط بين الأسواق العالمية حتى في ظل وجود أي احتمال بحدوث إضرار اقتصادي ذاتي.
ويعد سعي رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي العنيد وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي يترتب عليه خروجها من السوق الموحدة، واتحاد الجمارك، بمثابة هدف واضح في مرمى فريقها لا الفريق الآخر بالنظر إلى الوضع العالمي لمدينة لندن. وقد تسبب الموقف البريطاني المتعنت في إبعاد وهروب أصول مصرفية تقدر قيمتها بـ800 مليار جنيه إسترليني، أو ما يعادل تريليون دولار، فضلاً عن خمسة آلاف وظيفة إلى الجانب الآخر من القنال الإنجليزي والبحر الآيرلندي.
على الجانب الآخر، أسفرت خطط الاتحاد الأوروبي المتعلقة بتشييد جدران تنظيمية مرتفعة لحماية أسواقها من جار متمرد عن بعض المقترحات المربكة عسيرة الفهم من بروكسل، مثل إجبار مديري الصناديق على تداول أهم أسهم المملكة المتحدة في الأراضي الأوروبية بدلاً من لندن.
في عالم مثالي يمكن أن يصبح قرار قادة دول الاتحاد الأوروبي بتأجيل اتفاق «بريكست»، لمدة ستة أشهر أخرى، مع احتمال أن ينتهي الحال إلى مزيد ومزيد من التأجيل، فرصة لهيمنة أصحاب المواقف الهادئة المتروية. من المؤكد أن السياق الاقتصادي يتطلب ذلك على ما يبدو، فالنمو يتآكل ويتراجع على جانبي القنال الإنجليزي، مع توقع تباطؤ زيادة إجمالي الناتج المحلي في كل من بريطانيا ومنطقة اليورو عام 2019، بحسب «بلومبرغ إيكونوميكس».
في الوقت ذاته، لا تزال المصارف الاستثمارية الأوروبية الكبرى تجني عائدات أقل من المتوسط، ويتم تداول أسهم «باركليز بي إل سي» و«يوني كريدت إس بي إيه» و«سوسيتيه جنرال إس إيه» و«كوميرز بنك إيه جي» و«دويتشه بنك» بقيمة أقل من قيمتها الدفترية. وربما يكون الوقت مناسباً بالنسبة للمنظمين والمسؤولين للعثور على أرضية مشتركة، بدلاً من الانقياد وراء الإبهار الإعلامي للجماهير والسياسات التأديبية.
للأسف من المرجح أن تدخل هذه المنافسة المالية مرحلة جديدة، حيث يتردد المنظمون الماليون في منطقة اليورو في السماح بأي تراجع من جانب الشركات المالية، فيما يتعلق بنقل العمليات من لندن إلى دول الاتحاد الأوروبي قبيل الانفصال. وتشير التقارير إلى أن المصارف لا تتيح مزيداً من الوقت، أو المرونة في هذا الأمر رغم تأجيل اتفاق «بريكست» حتى 31 أكتوبر (تشرين الأول).
لا تستطيع المملكة المتحدة من جانبها وقف تهديداتها، ويعود ذلك بالأساس إلى عدم امتلاكها قوة حقيقية في عملية التفاوض مع بروكسل، سوى الأهمية المنهجية النظامية لبنيتها التحتية المصرفية. وقد أكد أندرو بيلي، رئيس هيئة مراقبة السلوكيات المالية، والشخصية المفضلة للمراهنين لشغل منصب محافظ البنك المركزي الإنجليزي، مرة أخرى خلال الأسبوع الحالي، أن بريطانيا سوف تنتقم وتثأر إذا نفذت بروكسل تهديداتها بنقل سوق الأسهم إلى الأراضي الأوروبية.
وربما يسعى البريطانيون نحو استغلال هذه الحالة المعلقة الانتقالية في الدفع باتجاه التوصل إلى «وضع متكافئ» لمؤسساتهم المالية، الذي يعد بمثابة ختم تنظيمي يمثل موافقة إلزامية من جانب بروكسل، تسمح بدخول محدود عابر للحدود للاتحاد الأوروبي، شريطة أن تتوافق قوانين البلاد المالية بشكل كافٍ مع القوانين الأوروبية.
في الوقت الذي لا يماثل فيه ذلك الوضع كون البلاد جزءاً من الاتحاد الأوروبي، توفر هذه الحالة من التكافؤ بعض شباك أمان ذات قيمة كبرى، فعلى الأقل سوف يحد هذا الوضع من خطورة ذلك التهديد على مكان تداول أسهم المملكة المتحدة.
وقد أوضح المنظمون البريطانيون عدم رغبتهم في التنافس على التنظيم، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأن قوانينهم متطابقة ومتوافقة بالفعل مع قوانين دول الاتحاد الأوروبي، لكنهم يريدون في الوقت ذاته الشعور بالطمأنينة من خلال عدم وجود إمكانية للتراجع عن وضع التكافؤ بشكل مفاجئ. مما لا شك فيه أن جماعات الضغط في المدينة سوف تسعى وراء التأكد من هذا الأمر خلال الأشهر المقبلة، في إطار محاولتهم التأثير على الدول الأعضاء للضغط على بروكسل للتساهل في مسألة التنظيم واللوائح.
ويعد من سوء الطالع بالنسبة لهم صعوبة توجه الاتحاد الأوروبي نحو تقديم تنازلات كبيرة فيما يتعلق بنظام التكافؤ الخاص به، في الوقت الذي يمثل فيه أهمية كبيرة لحماية قدرته على التنافس المالي. وقد أثنت المفوضية الأوروبية على الطريقة التي يعمل بها نظام التكافؤ حالياً، وقالت إنها تنوي تنفيذها بدقة.
ويرجح ألاسدير هاينز، رئيس شركة «أكويس إكسيتشينج بي إل سي»، البريطانية الصغيرة لتداول الأسهم، أن تزداد هذه الحالة من المراوحة التنظيمية سوءاً، وقد أدخل تغييراً بالفعل على أعماله على هذا الأساس وذلك بإنشائه شركة تابعة أوروبية في باريس. ولا يبدو في الأفق أي انفراجة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»