إميل أمين
كاتب مصري
TT

بومبيو وإيران... رصاصة اللارحمة

أطلقت الولايات المتحدة رصاصة اللارحمة، إن جاز التعبير، على النظام الإيراني، بعد أن قرر الرئيس دونالد ترمب وقف إعفاءات النفط الممنوحة لثماني دول، كانت مستثناة من قرارات العقوبات النفطية، التي دخلت حيز التنفيذ في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
الرصاصة الأميركية الأخيرة أظهرت أن ترمب قابض على القرارات السيادية الخارجية والداخلية معاً، وأنه في طريقه لكتابة اسمه في سجل القياصرة الأميركيين على خلاف ما كان الجميع يتوقع، فها هو يبدو كالأسد الرابض في الخفايا لنظام الملالي.
يعرف سيد البيت الأبيض أن أكثر من 40 في المائة من الموازنة الإيرانية تعتمد على مردودات بيع النفط، وقد خفضت أكثر من 20 دولة بالفعل حول العالم وارداتها من ذاك المنتج الإيراني، الذي أصبحت عوائده أداةً لنشر الفوضى ودعم الإرهاب إقليمياً وعالمياً، وحال الأخذ بعين الاعتبار أن اليونان وإيطاليا وتايوان قد أوقفت بالفعل استيراد النفط الإيراني؛ لذا فإنه يتبقى نحو خمس دول فقط مطالَبة بالانصياع، وإلا تعرضت لسيف العقوبات الأميركية المسلط على الرقاب.
الأسئلة محركات الفكر، وأولها: هل من تأثير كان للعقوبات منذ نوفمبر الماضي، وما هي الآثار المترتبة على وقف الإعفاءات النفطية الجديدة؟
خلي عنك اعترافات رؤوس النظام الإيراني بأن التأثير فادح بالفعل، ولنذهب إلى الأرقام الإيرانية في الداخل أولاً، فقد أعلن مركز الإحصاء الإيراني أن نسبة التضخم ارتفعت إلى 51 في المائة خلال شهر واحد منذ بداية السنة الإيرانية في 21 مارس (آذار) الماضي، وخلال شهر أبريل (نيسان) أنفقت الأسر الإيرانية معدلاً أكثر مما كانت عليه في أبريل الماضي بنحو 50 في المائة، كما تضاعفت أسعار السلع الأساسية والخدمات، وبخاصة الغذاء والشراب والتبغ التي ازدادت بنسبة 85 في المائة.
أما التقارير الصادرة عن كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فقد أظهرت انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 6 في المائة، وذلك بعد مرور عام من عودة العقوبات الأميركية، حيث تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في إيران، أكثر مما كان متوقعاً؛ الأمر الذي ينذر بكارثة اقتصادية.
علامة الاستفهام التي تحير بعض المراقبين: «هل سيعمد الملالي إلى شحن الشارع الإيراني ضد واشنطن وحلفائها بعد وقف الإعفاءات الأخيرة، وإلقاء تبعة الضائقة الاقتصادية العظمى التي تعيشها إيران على هؤلاء وأولئك؟
مبدئياً، يمكن توقع ذلك، لكن الذين قدر لهم متابعة ثورات وفورات الجماهير الإيرانية خلال الأشهر المنصرمة، يدرك أنهم أكثر وعياً بالمسؤولية التي تقع على عاتق النظام الإيراني، والذي تسبب بسياساته الخرقاء في جلب العداوات على الداخل الإيراني.
لم يعد ينطلي على الإيرانيين الشعارات التي لا تملأ البطون الخاوية، وهذا ما علا به صوت المتظاهرين الذين رددوا هتافات معادية لفلسطين، ومنادين بسقوط النظام الإيراني على بكرة أبيه.
يدرك الإيرانيون إدراكاً واضحاً وجلياً حجم الإنفاق الرهيب الذي تدعم به طهران أذرعها الميليشياوية إقليمياً، ناهيك عن الموازنات السرية للحرس الثوري، ويتساءلون بكرة وأصيلاً عمن أجدر بهذه الأموال، وما الذي عاد عليهم من الرايات الفاقعة منذ زمن الخميني وصولاً إلى خامنئي.
حين تفقد إيران تصدير مليون برميل من النفط يومياً، فإن الحدث جلل، وارتداداته حتماً كارثية مع الوصول إلى تصفير عداد نفط إيران للخارج، وكافة محاولات الالتفاف على العقوبات ستكون قاصرة، ومن هنا يطفو على السطح السؤال الأكثر إثارة: «ترى ماذا هم فاعلون، وهل سيذهبون في طريق العقلانية أم يرجحون خيارات الجنون؟
قبل الجواب ربما يتحتم علينا قراءة دلالات التغيرات والتطورات الأخيرة المتصلة بالحرس الثوري الإيراني، فقد عيّن المرشد خامنئي قائداً جديداً لحرسه الثوري، - العميد الذي بات الآن لواء – حسين سلامي، رجل غابة الصواريخ والأنفاق الشهير، والأكثر أدلجة من سابقه علي جعفري.
يلفت كل الانتباه في مرسوم خامنئي بتعيين سلامي، تشديد الأول على أهمية التوسع في الأبعاد الآيديولوجية لقوات الحرس الثوري، فضلاً عن تعزيز قدراته المتعددة الجوانب، وجاهزية كل قطاعاته... ماذا عن تلك القطاعات؟
ربما يجدر بنا أن نذكر أن الحرس الثوري يملك أقساماً أساسية عدة: قوات برية وبحرية، جوية وصاروخية، وفيلق القدس، وقوات الباسيج، إضافة إلى كيانات اقتصادية ودعائية تنشط في مجالات مختلفة بإيران...... فهل تكليف خامنئي يعني الاستعداد الإيراني للمواجهة العسكرية مع أميركا عما قريب؟
حين يأتي حسين سلامي إلى موقعه هذا مع حال العقوبات الكارثية الأخيرة، فإن الذاكرة تستدعي وعلى الفور تهديدات الرجل حين كان نائباً لجعفري بإغلاق مضيق هرمز، وهو يمضي في إثر هيراركية إيرانية ترى أنه حال لم تتمكن طهران من تصدير نفطها عبر الممر الشهير، فإنها ستمنع مرور أي نفط للعالم الخارجي، مقتدين ربما بما قاله أبو فراس الحمداني ذات مرة: « إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ».
من الواضح، وبحسب استراتيجية بومبيو، أن واشنطن لا تعرف التراجع ولا الاستسلام هذه المرة، وأنها مستعدة لكل السيناريوهات، بما فيها: «خيار شمشمون الإيراني».
ليس واضحاً بما يكفي إن كانت إيران تمضي هذه المرة لجهة سياسة حافة الهاوية ثم التراجع كعادتها، أم أنها وأمام إخفاقاتها تجاه شعبها في الداخل، وانكسارات الخارج من جراء عدم المقدرة على الإنفاق على وكلائها وضياع مشروعاتهم الثورية المغشوشة، ستفضّل الارتماء في وهدة الجحيم الذي تشعل حطبه بأيديها؛ حفاظاً على رؤيتها الدوغمائية التي دافعت ونافحت عنها منذ أربعة عقود وحتى الساعة، ارتماءً أقرب إلى صرخة الطائر الذبيح.
الخلاصة... قول أريب... إيران في زمن عصيب.