جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

البرلمان الأوروبي والمعركة ضد اليمين المتطرف

التمييز بين الحركتين الشعبوية والقومية لا يخلو، أحياناً، على المستوى العام، من شوائب الخلط بين الاثنتين. وفعلياً، فإن الحركتين مختلفتان. الشعبوية ذات علاقة بادعاء تمثيل شعب ومطالبه من نخبة تحكمه. أي أنها طريقة أو وسيلة لتحقيق ذلك الادعاء. والقومية آيديولوجيا. الشعبوية بُعدها عمودي: من الشعب في الأسفل ضد النخبة في الأعلى. القومية بعدها أفقي، يتعلق بتمييز من ينتمي لأمة - قومية عمن لا ينتمي لها. والحركتان تعدان ضمن دوائر اليمين المتشدد.
ما دعاني لهذا الموضوع، هو ما اطلعت عليه من تقارير إعلامية تتعلق بقرب إجراء الانتخابات البرلمانية الأوروبية، في الشهر المقبل، التي ستكون مختلفة عن سابقاتها بسبب تزايد وتعاظم شعبية اليمين المتشدد ممثلاً في الشعبويين والقوميين وتحالفهم في كتلة واحدة أطلقوا عليها اسم كتلة الحرية والأمم والأوروبية. وهي كتلة تجمعها أجندات كثيرة، في مقدمتها موقفها المتشدد من الهجرة، ومعاداتها للإسلام وللسامية. أضف إلى ذلك استغلالها الغضب الشعبي في بلدانها من سياسات التقشف، وما تعتقده من غطرسة الطبقة السياسية في بروكسل. ويهدف الشعبويون إلى إعادة التأكيد على الهوية الوطنية، والسعي لإيقاف التكامل الأوروبي. استبيانات الرأي العام التي قام بها الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن الأحزاب الشعبوية والقومية ستحصل على عدد لا يستهان به من مقاعد البرلمان الأوروبي المقبل قد يصل إلى 60 مقعداً من عدد 751. وبالتأكيد، فإن حصولها على هذا العدد من المقاعد لا يعني استحواذها على الاتحاد الأوروبي بقدر ما يرفع من درجة التوتر والإزعاج داخل البرلمان حول استكمال التكامل الأوروبي، ويزيد من تعقيد عملية تعيين مفوض جديد للاتحاد الأوروبي، آخذين في الاعتبار أن كثيراً من زعماء الأحزاب الشعبوية مثل الإيطالي ماتيو سالفيني شديدو الحساسية من الهيمنة الألمانية - الفرنسية على الاتحاد، ولا يخفون رغبتهم في وضع نهاية لها.
واستناداً إلى التقارير نفسها، فإن الإشارة الأولى ستلوح مبكراً، وتحديداً من إسبانيا، هذا الشهر، حيث ستعقد انتخابات برلمانية، ويتوقع وصول حزب VOX اليميني المتشدد إلى البرلمان، ليكون بذلك أول حزب يميني متشدد في إسبانيا، منذ حقبة الجنرال فرانكو، يتمكن من الفوز بمقاعد في انتخابات برلمانية.
ما يميز الكتلة الشعبوية الأوروبية هو وصولها إلى قناعة مفادها استحالة وضع نهاية للاتحاد الأوروبي والقضاء عليه من خارجه، وهذا أدى بدوره إلى تغيير تكتيكي، يقوم على الدخول إلى الاتحاد، والعمل من داخله بغرض تعطيله عن تحقيق أهدافه، وسعت فيما بينها لتكوين كتلة قوية ومتماسكة تجمع كل أحزاب اليمين المتشدد في بلدان الاتحاد الأوروبي، إلا أن نجاحها في تحقيق هذا الهدف نسبي، ولذلك السبب خطط سالفيني بعد عقد عدة مشاورات مع نظرائه في بولندا والنمسا والمجر، إلى استضافة تجمع من 20 بلداً بمدينة ميلانو الشهر المقبل، بغرض وضع برنامج انتخابي مشترك شبيه بالبيان الانتخابي للرابطة الشمالية التي يترأسها، يؤكد ويشدد على الجذور المسيحية المشتركة، ويدافع عن الهوية الوطنية - القومية، وسيادة القوانين الوطنية على قوانين الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الموقف المتشدد من الهجرة، والمعادي لسياسات التقشف، والتكامل الأوروبي.
وفي الجهة المقابلة، تشير التقارير إلى ارتفاع في شعبية الاتحاد الأوروبي بين مواطني دول الاتحاد، ولعل خروج قرابة مليون مواطن في شوارع لندن، في المدة الماضية، مطالبين بالبقاء في الاتحاد يعد الأكبر شعبياً تأييداً للاتحاد منذ سنوات. إلا أن التضامن الشعبي مع الاتحاد لا يسير يداً بيد، مع حماس قادته وزعمائه، باستثناء الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي تقول التقارير إنه الأكثر حماساً ونشاطاً، بين قادة دول الاتحاد، في مساعيه للدفع بالاتحاد قدماً، في تحقيق مشروع التكامل الأوروبي، في حين أن المستشارة الألمانية، حليفة ماكرون، في طريقها إلى مغادرة المسرح السياسي. هناك أيضاً صراع مرير، يدور حالياً، بين قادة دول الاتحاد عمن يخلف الرئيس الحالي جان كلود يونكر، ناهيك بإمكانية الخروج البريطاني من عضوية الاتحاد، ما يزيد تعقيد المعركة وصعوبتها ضد اليمين المتشدد، وأجندته المعادية، خلال الدورة البرلمانية المقبلة.