د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

ضرورة العمل العربي المشترك

سندخل مباشرة في الموضوع دون مقدمات أو تمهيد للفكرة؛ الرسالة التي نود استثمار حدث انعقاد القمة العربية في دورتها الثلاثين لتمريرها، خصوصاً أن فعاليات القمة تُخصص هذا اليوم لاجتماع القادة بعد أن استوفت الوفود الدبلوماسية والوزارية اجتماعاتها التي انطلقت من الأسبوع الماضي في تونس.
تتمثل رسالتنا في فكرة الإيمان الحقيقي والجاد بضرورة العمل العربي المشترك بلفت النظر عن القرارات التي ستُؤخذ تحت ضغط الظروف الشرق أوسطية والعربية المتشابكة.
ففي السنوات الأخيرة تراجع دور جامعة الدول العربية وتهاطلت عليها الانتقادات، الأمر الذي طبع صورتها بملامح سلبية وأظهرها غير فاعلة وتفتقد إلى القوة مما عمق الهوة بين الشعوب العربية وجامعتهم.
فالدفاع عن ضرورة العمل العربي المشترك وأهمية تقوية مؤسسة جامعة الدول العربية لتؤدي وظائفها التي يجب أن تقوم بها في ضوء مصلحة الشعوب... كل هذا يجب أن يخضع اليوم إلى مقاربة براغماتية عقلانية مصلحية محضة.
إنّ العالم اليوم يعيش على وقع التكتلات بعد أن اقتنعت الدولة أن وحدها لا تستطيع أن تبني وتحقق التنمية المرجوة، والحال أن المصالح وحركة المال والتجارة والسلع عالمية ومتحركة وعابرة للقارات. لذلك فإن وجود مؤسسة الدول العربية رغم كل ما حدث، فإنه يظل مكسباً شكلياً يجب تحويله إلى مكسب فعلي والاستفادة من المحطات التاريخية المهمة التي اضطلعت فيها جامعة الدول العربية بواجبها على النحو المنتظر والمرجو.
بمعنى آخر، فإن مقاربة هذه المؤسسة العربية الكبيرة من منطلق الضرورة مسألة يجب الحسم فيها ذهنياً، والإيمان بأنه لا يمكن للشعوب العربية الوجود بشكل متناثر وأن جامعة الدول العربية هي الفضاء الذي تحل فيه القضايا العربية ومشاكل الدول العربية والصراعات وغيرها. لذلك فإن العمل الآن يجب أن يركز على إعادة الاعتبار الوظيفي لجامعة الدول العربية، وهو أمر بيد القادة العرب الذين يدركون أكثر من الجميع ضرورة هذه الجامعة ومدى حاجة الأزمات العربية الراهنة لها لمعالجتها بشكل يعبر عن حلول عربية مشتركة وتوافقية وحوارية تستند إلى المصلحة العربية العامة أولاً وأخيراً.
إذن المرجو من القادة منح الجامعة مساحة لتقوم بدورها في تقريب المواقف وفي معالجة الأزمات تحت الغطاء العربي أولاً. فقوة الجامعة في الحقيقة هي في يد القادة العرب، كما أن جزءاً من قوة الدول العربية إنما يكمن في جامعة قوية ومفيدة بمؤسسات تفكر وتدير وتبحث وتراقب.
إنّ المشاكل ذات الطابع السياسي كثيرة ومعقدة، ولا معنى لتراكم هذه المشاكل وتعقدها من دون أن نستشعر بدور فعال لجامعة الدول العربية. فهي أُسست للقيام بوظيفة، ووظيفتها تتسم بالحيوية الدائمة إذا لم تتضاعف مما يحتم تفعيل هذه الوظيفة، خاصة أنه منذ بداية العقد الرّاهن وانطلاق ما يسمى الثورات العربية انسحبت الجامعة وكأنها غير موجودة واقعياً.
من جهة ثانية، وبما أننا نتحدث عن البراغماتية والمقاربة القائمة على المصالح فإنه من المهم أن تقوي الجامعة العربية جيداً ملف التعاون الاقتصادي العربي وترسم استراتيجية ذكية وذات جدوى، لأن ذلك عامل ربط أساسي للعلاقات العربية، ناهيك من أن تقويته تعني تأثير ذلك على الجوانب السياسية، فيتحكم الاقتصادي على السياسي ويتدخل في التخفيف أو تجاوز الخلافات السياسية دفعاً للضرر الاقتصادي.
لا مصلحة لأي دولة عربية اليوم في ضعف جامعة الدول العربية، ولقد رأينا كيف أن ضعفها كانت تكلفته باهظة رمزياً وسياسياً؛ تطورات الوضع في سوريا وأزمتي ليبيا واليمن، وطبعاً الضربات القوية التي تلقتها القضية الفلسطينية بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل. إننا في غاية الحاجة إلى تفعيل حقيقي وجاد للجامعة ومعالجة الأزمات الحاصلة برؤية عربية - عربية في عالم راهن يقوم على التكتلات ولا يتفاعل ويتحاور إلا معها حوار الجد.
أيضاً نعتقد أن الجامعة نفسها تحتاج إلى وضع تصور جديد لوظيفتها ولآليات الأداء وتعميق الاشتغال على الاقتصادي والثقافي، واستثمار أحد أهم موارد قوتها كتكتل في كونه يشمل بلداناً توحدها الثقافة واللغة والتاريخ، وهي عناصر تفتقد إليها التكتلات الأخرى.
فلا يمكن في رأيي أن تواصل جامعة الدول العربية العمل بنفس الأسلوب والإيقاع الذي هي عليه ولطالما كانت عليه. فتطويرها بات حاجة ملحة كي تقوم بوظيفتها بشكل يتماشى مع التغييرات الحاصلة في المنطقة العربية وفي العالم.
لقد أصبحت صورة جامعة الدول العربية في تمثلات الشعوب ولدى بعض النخب العربية أشبه ما تكون بديكور، وآن الأوان كي تنشط هذه الجامعة خاصة أن بها قيادات تؤمن بها وبعملها، ولا مشكلة عندها في القيام بتنازلات من أجل المصلحة العامة والتفاف الجميع حول الجامعة واعتبارها وجهتهم الأولى لحل المشاكل والأزمات والاجتهاد في ذلك كثيراً والإيمان بمبدأ أن الحل العربي للقضايا العربية هو الأفضل، ولو بدا لنا مخيباً أحياناً للتوقعات والآمال.