مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

الجزائر على مفترق طرق

الجغرافيا الفسيحة المنفتحة للجزائر على خمس دول تمنحها دوراً محورياً وفاعلاً وقوياً، ويدرك العالم أهمية هذا الدور، لولا أن الحقائق الصحيحة تخبر بأن التعارضات الداخلية والخارجية أقوى من إمكاناتها، والخطوط المتباعدة خلّفت تصدعاً كبيراً في جغرافيتها السياسية، ومنها تلك العوائق طويلة الأجل، ومثلث الخلاف على الصحراء مع موريتانيا والمغرب، وتعرّضها لأكبر آثار معاكسة وغير مرغوبة من تلك الجماعات الإرهابية.
ومن هنا يظل إذكاء الصراعات رهين الأحداث المهمة التي تحدث في العالم، والتي شهدتها معظم الجامعات في الجزائر من مظاهرات وحشود رافضة لتقديم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (الذي شغل منصب الرئيس منذ عام 1999) أوراقَ ترشّحه للانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في الثامن عشر من أبريل (نيسان) المقبل، ولم تكن هذه الحالة استثناء للفترة الحالية، ففي كل فترة رئاسية يتجدد الصراع لبعض القوى السياسية الرئيسية في البلاد، مما يؤدي إلى مقاطعتها.
وتجدر الإشارة إلى أن المشاهد التي تُلتقَط من ساحات المظاهرات التي تعجّ بالفوضى أكثر عمقاً من الأعوام السابقة، واليوم في أعقاب هذه الأزمة يقف الجزائريون أمام تيارين مختلفين؛ أحدهما يدعو إلى مقاطعتها احتجاجاً على ترشّح بوتفليقة لولاية خامسة، والآخر مؤيد له ويدافع عنه، ولسنا بصدد معرفة هذه الأحزاب المقاطعة للانتخابات، وتلك المشاركة فيها، التي نتج عنها فراغات كبيرة بين السلطة والشعب.
في الوقت نفسه، أوضحت تقارير إعلامية أن بوتفليقة يعاني من وضع صحي حرج، وعلى أثر ذلك تندد بعض فئات الشعب بغياب الرئيس بوتفليقة، وقالوا عنه إنه زعيم «صوري»، وهو ما أثر بصورة أكثر دراماتيكية في المجتمع الجزائري، فقد ظلَّت هذه الدرجة العالية من التوتر فترة ليست بالقصيرة، عطفاً على عدة نقاط تجمعهم في موقع واحد، وهو امتعاضهم من قلّة حضور الرئيس في المحافل الرسمية، وكيفية إدارة البلاد وهو في عزلة تحديداً كما وصفوه، وأن آخر خطاب جماهيري له عام 2014، وكان ذلك هو خطاب الانتصار في الانتخابات الرئاسية الرابعة له، عندما شكر الجزائريين على تجديد ثقتهم بقيادته للبلاد.
وما زال حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر يوسِّع قيادته لتشمل 14 شخصاً، فيما دخل الجيش الجزائري على الخط ببيانين متلاحقين تلا الأول رئيس الأركان أحمد قايد صالح، فهل سيستمر الرئيس أو من حوله في بقاء اسمه ضمن قائمة المرشحين في ظل المظاهرات الحاشدة، الرافضة لترشح الرئيس لولاية خامسة والأخذ بالوعود التي تعهَّد فيها بـ«إعداد دستور جديد يزكيه الشعب الجزائري عن طريق الاستفتاء، وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة بعد عام لا يشارك فيها»، لكي يتمكن من تنفيذ الوعود بالتغييرات السياسية، وتراجع الحشود المتظاهرة؟!
إن التاريخ يعيد فرنسا لمراقبة ما يدور في الساحة باهتمام شديد، ويبرر حذرها، كما تقول، لوجود أكثر من 4 ملايين شخص من أصل جزائري مقيمين في فرنسا، وسيكون لأي اضطراب في البلد القريب من أوروبا تداعيات في فرنسا، وقد يُحدِث موجةً من الشغب على أراضيها.