حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

محاربة المخدرات بتقنين بيعها

في احتفالات دينفر بولاية كلورادو اختلطت رائحة دخان الماريوانا بدخان المفرقعات ابتهاجا بالانتصار المدوي لدعاة تقنين بيع الماريوانا لمن يزيد عمره عن 21 عاما، فقد سمحت الولاية ببيع حشيشة الكيف في عدد من المتاجر التي منحتها ترخيصا قانونيا بهذا الشأن كما هو الشأن في بيع الخمور، وهذا الترخيص يعد ضربة موجعة للحرب العالمية والمحلية على المخدرات، بل ويريد مؤيدو تقنين هذا المخدر أن يثبتوا أن الحرب العدمية على المخدرات لم تفلح في الحد من استخدامها وتعاطيها وترويجها وفي الوقت نفسه حرمت الدولة من جني مليارات الدولارات من ضرائب مبيعاتها الضخمة التي تذهب إلى بائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه ومروجها وزارعها وحاصدها وموردها ومصدرها ومهربها.
ولا نحتاج إلى استشراف مستقبل تقنينها في بقية الولايات الأميركية بعد السماح لولاية كلورادو، فثقب الإبرة الذي خرمه دعاة التقنين في جدار مكافحة المخدرات سيدخل معه فيل إباحتها، فها هي ولاية واشنطن تعلن عن السماح ببيع الحشيشة في وقت لاحق من هذا العام، كما سمحت عشرون ولاية أميركية أخرى باستخدام هذا المخدر لأغراض طبية ترفيهية، وهذا بطبيعة الحال أسلوب خجول يمهد لاحقا لتقنينه في بقية الولايات الأميركية، بل إن حبوب سبحة الدول المانعة ستخر تباعا، فهذه الأورغواي وإسبانيا وقبلهما هولندا سمحت هي الأخرى ببيع الحشيشة وبنفس الذرائع التي ذكرها الذين يريدون لحرب المخدرات أن تضع أوزارها.
مبررات المبيحين لحيازة وتعاطي وبيع مخدر الماريوانا في كلورادو هي مبررات هولندا والأورغواي وكل من ينافح لإخماد الحملة العالمية لمكافحة المخدرات، يقولون بأن قوانين الحظر والسجون والعقوبات والملاحقات لم تغير في أرض الواقع شيئا، فبيع الحشيشة وتعاطيها في فلوريدا التي تحظر بيع الماريوانا مثل سهولة بيعها وتعاطيها في كلورادو التي تسمح بها، فالسماح بها وتقنين بيعها وضبطها ووضعها تحت مراقبة الدولة وملاحظتها كفيل بكسر الشعور بتحديه والنشوة بتجاوزه فكل ممنوع مرغوب، طبعا ولا يمكن أن نغفل الجانب الاقتصادي في الموضوع والذي يتمثل في تلهف الحكومات المعنية في دعم اقتصاداتها المهتزة بمصادر دخل ضرائبية عالية من مبيعات الحشيشة كانت تصب في جيوب مهربي المخدرات ومروجيها.
هذه الحجج في تقديري تتهاوى أمام حقيقة ازدياد نسبة متعاطي الحشيشة في هولندا بعد تقنينها والسماح ببيعها وتعاطيها مقارنة بالحال قبل الحظر، كما أن هولندا صارت بعد تقنين بيع الماريوانا قبلة للسياحة التحشيشية من أنحاء القارة الأوروبية مما جعل دولها تضج بالشكوى ضد هولندا حتى لجأت مؤخرا إلى سن قانون باعث على التندر، حيث يسمح للمواطن بتعاطي الحشيشة ويحظرها على الأجنبي، وأمر آخر باعث على السخرية في دولة الكيف والترفيه، حين حظرت هولندا تدخين السجائر في الحانات التي تسمح فيها بتدخين الحشيش المخدر، أما حكاية أن حظر الحشيشة لم يمنع من ترويجها أو تعاطيها فبالتالي لا بد من تقنينه وإباحته فيعني أن من لازمه تقنين البغاء أقدم مهنة في التاريخ البشري والذي لا يسلم منها تجمع بشري مهما بلغ من النقاء والطهر والحظر والملاحقات القانونية.
[email protected]