فيرناندو غيغليانو
TT

ممَّ يعاني اقتصاد أوروبا؟

في غضون عامين فقط، تحولت منطقة اليورو من الاقتصاد الرائد عالمياً إلى صفر.
عام 2017، توسعت هذه الكتلة بأعلى معدل لها على مدار عقد كامل، وساعدها في ذلك مزيج من ازدهار التجارة العالمية وسياسات نقدية بالغة السهولة. اليوم، تحولت منطقة اليورو إلى الهم الأول لأولئك الذين يخالجهم القلق حيال إمكانية حدوث موجة تراجع اقتصادي أكبر. من جهته، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته الاقتصادية بالنسبة للنمو العالمي، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك تراجع اقتصاد منطقة اليورو.
إلا أنه لدى إلقاء نظرة عن قرب أكثر على الخريطة، يتضح أن الصورة تحوي تباينات أكبر بكثير عما قد تظنه؛ ذلك أن إيطاليا وألمانيا تعانيان من مصاعب اقتصادية، مع دخول الأولى الآن رسمياً موجة من الركود، في الوقت الذي نجت الثانية بصعوبة من موجة مشابهة. ومع هذا، فإن باقي أرجاء منطقة اليورو تتميز بدول تحقق نمواً بمعدلات مرضية.
في المقابل، نجد أن المفاجأة المستمرة داخل منطقة اليورو تتمثل في إسبانيا التي حققت نمواً بمعدل 0.7 في المائة خلال الربع الرابع، بارتفاع هامشي عن 0.6 في المائة. وربما تمضي البلاد نحو عقد انتخابات بعد إخفاق حكومة الأقلية التي يترأسها بيدرو سانشيز في الحصول على دعم كافٍ للموازنة التي طرحتها.
عام 2018، نما الاقتصاد الإسباني بأقل من 3 في المائة للمرة الأولى منذ أربع سنوات، ومع ذلك جاء معدل النمو معقولاً عند مستوى 2.5 في المائة. إلا أن المفاجأة الكبرى تمثلت في أداء الاقتصاد الفرنسي؛ فقد اهتز ثاني أكبر اقتصاديات منطقة اليورو تحت وطأة مظاهرات «أصحاب السترات الصفراء». ومع هذا، نما الاقتصاد الفرنسي بمعدل 0.3 في المائة نهاية العام الماضي، على نحو متناغم مع الربع السابق وبمعدل أسرع على نحو طفيف عن أول رُبعين في العام.
أيضاً، ترسم الأوضاع الاقتصادية في دول أخرى من الشمال إلى الجنوب صورة أكثر إيجابية. على سبيل المثال، تعافى النمو في فنلندا من 0.5 في المائة خلال الربع الثالث إلى 0.9 في المائة في الربع الأخير من العام. ونما الاقتصاد البرتغالي بنسبة 0.4 في المائة. أيضاً، تعافى الاقتصاد الهولندي بعد ربع سنوي رديء وحقق معدل نمو بلغ 0.5 في المائة.
ومن المنتظر أن يلقي صانعو السياسات عبر أوروبا نظرة فاحصة للغاية على المؤشرات الاقتصادية بداية هذا العام من أجل تفهم ما إذا كانت حالة التراجع الاقتصادي في طريقها نحو مزيد من التردي.
وبإمكان البنك المركزي الأوروبي الشعور ببعض التفاؤل لدى النظر إلى سوق العمل التي لا تزال تشهد تعزيزاً مستمراً على صعيدَي التوظيف والأجور؛ الأمر الذي لا بد أنه سيوفر دعماً مستمراً للطلب المحلي. ومع هذا، يتعين على البنك المركزي تحقيق توازن بين هذا الأمر والمخاطر القادمة من الخارج، بما في ذلك تباطؤ عجلة الاقتصاد الصيني والحرب التجارية المستعرة بين بكين وواشنطن.
وتوحي الصورة الأوروبية المتفاوتة بأن ثمة مشكلة في نموذج النمو لدى بعض الدول مقارنة بكتلة منطقة اليورو ككل. في إيطاليا، أدت خطط مالية لحركة شعبوية جديدة إلى دفع عائدات السندات؛ الأمر الذي أسهم في انحسار تدفق العائدات. في تلك الأثناء، يواجه نموذج النمو الألماني اختباره الأكبر مع اكتشاف برلين أنها عرضة للتضرر من التوقعات الخاصة بالتجارة العالمية وأداء الصين الاقتصادي. إلا أنه على خلاف الحال مع إيطاليا، تملك البلاد فسحة تمكنها من دعم النمو عبر زيادة الاستثمارات العامة.
وأخيراً، الواضح أن قوة أوروبا تكمن في تنوعها، لكنها قد تتحول كذلك إلى نقطة ضعفها.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»