حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

خلخلة نفوذ الخمينية

تتمةً لما كتبته في مقالي الأخير عن الخمينيين، وكيفية هزيمتهم، لا بد من الاعتراف بأن ماكينة الخمينية الدعائية نجحت في تصوير أن الحملات المضادة للخمينية الفاشية الاستعمارية مسكونة بالهاجس الطائفي، وأن الوهابية هي المحرك لهذا الهاجس الطائفي.
من المؤسف أن بعض الأصوات الإعلامية العربية المؤثرة تدرج الموقف السعودي القوي ضد تغلغل الخمينية في سوريا والعراق ولبنان واليمن تحت بند «النزاع الطائفي» العدمي، ولهذا لاحظنا مواقف رخوة لعدد من الدول العربية تجاه الصراع الوجودي مع الخمينيين على المستوى الرسمي والشعبي؛ فعلى المستوى الرسمي لم تستوعب بعض الدول العربية، ومنها دول محورية في المنطقة، أن تحالف النظام السوري ذي الجذور العلوية مع النظام الخميني الاثني عشري كان تحالفاً آيديولوجياً طائفياً صارخاً، ولهذا تعاون نظام بشار مع نظام الخمينية على تحقيق غايتين «طائفيتين» تحت ذريعة محاربة «الدواعش»؛ الأولى العبث بديموغرافية سوريا بتهجير السنة من بلداتهم وإحلال الشيعة محلهم، والثانية تحويل العلويين تدريجياً إلى المذهب الجعفري الاثني عشري، واللافت أن الذي طلب هذا التحول هو حافظ الأسد كما يذكر ذلك شخصية لبنانية سياسية بارزة عن حافظ نفسه، وقل الشيء ذاته عن الجهد «التبشيري» للخمينية في اليمن لتحويل الزيدية إلى الجعفرية الاثني عشرية، تماماً كما كان يفعل الاستعمار الغربي القديم حين جعل طلائع المبشرين هم «البلدوزر» لتمهيد الطريق للاستعمار السياسي والاقتصادي.
ولا نلقي تهمة بعث الطائفية على الثورة الإيرانية جزافاً أو من باب المناكفة السياسية أو المذهبية إطلاقاً، بل ما نقوم به هو محاولة جادة لبحث جذور المشكل الطائفي الذي بات مهدداً خطيراً على الجميع. لك أن تلقي نظرة مقارنة موضوعية وهادئة عن حال الطائفية بين السنة والشيعة قبل ثورة الخميني وبعدها، بإجماع السنة والشيعة في العراق ودول الخليج كانت الطائفية بينهم شبه معدومة فتعايشوا قروناً بأمان وسلام، يتزاوجون ويتاجرون ويتشاركون في الأفراح والأتراح، وكلهم يكرر كيف كان السنة والشيعة يتجاورون سنين عدداً دون أن يعرف أحدهم عن جاره شيعي هو أو سني، حتى هبت رياح الثورة الإيرانية الطائفية العاتية فبدأت تتغلغل في العالم السني تحت شعار تصدير الثورة، ورفع شعارات المقاومة والممانعة والوحدة الإسلامية، وهي الشعارات التي تهاوت وبان زيفها على الثرى العراقي والسوري واليمني واللبناني.
يجب أن نرفض من يرفع كارت الطائفية الأحمر ضد من يحذر من انتشار المراكز الشيعية التبشيرية في دول كلُّ مسلميها سنة، ونرفض من يتهمهم بالطائفية لأنهم ينتقدون حكومات إيران، وهي ترعى بِنَفَسٍ طائفي صريح كلَّ ميليشيا تقوض الأمن والسلم في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
الخلاصة التي يجب أن تعيها الدول العربية ذات المواقف المرتبكة من تغلغل الخمينية الطائفية في المنطقة، أن الحقائق على الأرض تثبت أن الثورة الخمينية الفاشية الإرهابية هي التي بعثت الطائفية من مرقدها من خلال تدخلاتها السافرة والفجة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، واختراقاتها في بقية دول منطقة الشرق الأوسط، هذا فضلاً عن التغلغل الآيديولوجي في كل دول العالم الإسلامي عبر سفاراتها التي تحولت إلى مقرات تبشيرية أو داعمة له.