مهرة سعيد المهيري
TT

كيف نستطيع قياس قدرة الإعلام في الخليج؟

الدول النامية، وخصوصاً تلك السائرة في طريق التطور والتنمية، لا تزال تتلمس خطاها في كيفية التعامل مع الإعلام. هل الإعلام جزء من التوعية أم الدعاية أم التوجيه، أم أنه كيان قائم مستقل بذاته يقوم بدور الرقيب، أم هو جهاز حكومي أو أهلي يكون مجالاً حيوياً لتبادل الآراء والأفكار؟
هذه الدول النامية، ومنها دول الخليج، أنفقت كثيراً على الإعلام وعلى مراحل زمنية طويلة. وللإنصاف فإن الإعلام أخذ حصة معتبرة في ميزانيات الدول، ودعمت الحكومات في الخليج أجهزة الإعلام الحكومية والأهلية على حد سواء. ولكن على العكس من القطاعات الأخرى التي يمكن قياس مديات التطور فيها بأساليب معروفة، فإن الإعلام يبدو عصياً على القياس لاعتبارات كثيرة.
تستطيع مثلا أن تربط بين مال أنفق على قطاع البلديات فترى حجم الإنجاز ملموساً من طرقات ومجارٍ وإنارة. تستطيع أن تتلمس أثر التعليم من عدد الخريجين وقدرتهم على دخول سوق العمل. تذهب إلى مستشفى أو مستوصف وترى ملاءمة الخدمات لحاجة المرضى وسرعة تلبية احتياجاتهم. حتى الأمن قياساته معروفة بمعدلات الجريمة والتعدي. بل إن استقرار البلاد وعدم إقدام طامع معتدٍ على التعرض لها، يشير إلى قدرة الدولة على بناء جيشها وتحصين حدود البلاد. عمق العلاقات الدبلوماسية والسياسية يعكس نشاط الدبلوماسيين ودعم قيادات الدول لهم. ولا يوجد أسهل من قياس متانة الاقتصاد أو القطاعات المالية، لأنها قائمة على الأرقام.
إلا الإعلام. فربما لأنه يقع في تقاطعات كل مناحي الحياة والسياسة والاقتصاد، فتجد القائمين عليه قد يبالغون في أهمية ما يقومون به. ومشكلة الرد السياسي والشعبي، الذي يقيم تلك المبالغة الإعلامية في الأثر والدور، أنه أيضاً يتعلق بالمعطيات في تلك اللحظة. فلو أن مؤشرات الصحة تقول إن الشعب يعاني من سمنة، فإن هذا يعني أن التوعية الصحية قاصرة، وهذا شأن إعلامي وليس من مهام وزارة الصحة.
هذا يجعلنا في حيرة ونحتاج إلى عملية إعادة تقييم عميقة وجوهرية لما يحققه الإعلام في عالمنا العربي عموماً، وفي الخليج بصفة خاصة. ونركز أكثر على الصيغة التي نريد لها أن تسود ولو مرحلياً، فينصف الإعلاميون وتحس الدول والشعوب أن ميزانيات مؤسسات الإعلام ليست مالاً منثوراً، ولكي لا يأتي قائل ليسأل: ماذا حقق لنا إعلامنا؟
لا شك أن الإعلام إذا استكمل مقوماته ووسائله الصحيحة، وأُحسن استخدامه وتوجيهه في مجتمع ما، كان قوة دافعة كبرى للبناء والتطور والنهوض بالمجتمع. وعلى الجانب الآخر، فإن الإعلام الذي يفشل في أداء دوره وتحقيق رسالته في المجتمع لا يقف أثره عند حد الفشل الذاتي، وإنما يتعدى ذلك إلى إحداث آثار سيئة في المجتمع. وغاية القول، إن الإعلام سلاح ذو حدين: فإذا أُحسن استخدامه وتوجيهه كان ركيزة تطور يجد فيها أفراد المجتمع ينبوع المعارف ومصدر التوجيه والإرشاد والتوعية فيما يعنّ لهم من مشكلات. يجدون فيه العون على تربية أبنائهم وإسعاد أسرهم وتحقيق انتمائهم إلى مجتمعهم.
أصبح كثير من وسائل الإعلام اليوم أكثر خطورة وقدرة على إحداث التدمير في المجتمعات بما يوظف فيه من برامج ومشاهد مذمومة تدعو إلى العنف والدم والتشدد الديني، والسب والقذف والتحرش والإباحية وغيرها من أساليب لا تنتمي إلى القيم السليمة لمجتمعاتنا، وقد يدعو الصحافي أو الفنان أو الداعية الديني إليها، فكلهم إعلاميون يمتهنون الأذى لتحقيق غاياتهم، وجميعها أفكار واحدة هدامة، لا فرق بين حامليها، بسبب ما تمسه من أسس اجتماعية وسياسية.

- كاتبة إماراتية