د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

عام أقل إرهاباً

يوم واحد فقط يفصلنا عن نهاية هذا العام ليفتح المجال لعام جديد، لا أحد يمكن تحديد ملامحه وأهم أحداثه المنتظرة، إذا ما استثنينا بعض التواريخ المهمة الخاصة بالانتخابات التشريعية والرئاسية، وأيضاً ما يتصل بالأحداث الرياضية الكبرى.
لقد دخل العالم حالة من الغموض منذ تاريخ حرب الخليج الأولى، وازدادت ظلمة الغموض وتعقيداته مع ظهور التنظيمات الإرهابية وتحولها إلى مرض عضال أصاب دولاً كثيرة، وأثّر على كل شيء فيها.
من هذا المنطلق ارتأينا مقاربة حصاد عام 2018 من هذه الزاوية بشكل خاص؛ لأن الإرهاب أهم معضلة، وقياس وضعه لا يقدم لنا فقط فكرة عن مدى تذليل هذه المعضلة أو تضخمها، لكن يسمح لنا بتقدير مشكلات أخرى باتت في علاقة عضوية بمشكلة الإرهاب.
المتفق عليه حتى الآن، أن ظاهرة الإرهاب قد تراجعت نسبياً مقارنة بالسنة الماضية وسنة 2014 التي انخفض فيها عدد ضحايا الإرهاب بقرابة النصف. وبالنظر إلى تقارير مؤشر الإرهاب العالمي الصادرة عن معهد الاقتصاديات والسلام الأسترالي للأبحاث، الذي تم إنشاؤه عام 2012، فإنه يمكن تأكيد الاستنتاج القائل بتراجع عدد ضحايا الإرهاب في العالم من سنة إلى أخرى، خصوصاً أن تنظيم «داعش» الذي يمثل أكثر تنظيم إرهابي يفتك بالأرواح، قد عرف هزائم قاتلة في السنتين الأخيرتين، الأمر الذي أثر إيجابياً في تزايد انحسار الإرهاب وتداعياته. فالأرقام تشير إلى أن «داعش» نفذ في هذه السنة 403 هجمات إرهابية سقط ضحيتها 2786 قتيلاً، في حين أن تنظيم «القاعدة» نفذ 63 هجوماً وذهب ضحيته 250 شخصاً. وتعني هذه الأرقام تراجعاً في ضحايا الإرهاب بنسبة 27 في المائة مقارنة بالسنة الفائتة. مع العلم أن عدد قتلى الإرهاب في سنة 2017 بلغ 19 ألفاً.
طبعاً، لا شك في أن مجرد تراجع الخسائر البشرية من جراء الإرهاب يعد في حدّ ذاته مؤشراً إيجابياً، خصوصاً أن الحرب ضد الإرهاب تختلف عن أشكال الحروب التقليدية المعروفة، ولا تقوم على المواجهة والمباشراتية.
لكن مشكلة الإرهاب تحديداً تكمن في طبيعته وأسبابه؛ فطبيعته لا تمتثل إلى منطق واضح، إذ يمكن أن تخفت ظاهرة الإرهاب كما يمكن أن تستعيد ضرباتها القوية. ذلك أن محركات الإرهاب بين معلومة ومجهولة ومفتوحة على كل القراءات والسيناريوهات. فقط، ما يمكن التركيز عليه أمام طبيعة الإرهاب الأخطبوطية والغامضة هو قياس قوة الدول في إحكام الأمن من جهة، وقدرتها على سد الثغرات التي ينتعش منها الإرهاب، مثل الثقافة المنغلقة، والبطالة، والفقر، والإكراهات الاقتصادية من جهة أخرى، التي تحوّل الكثير من الشباب إلى كيانات هشة نفسياً يسهل اصطيادها وانتدابها في عالم الإرهاب وسوقه التي تضم تجاراً معروفين وآخرين يحركون التجار الموجودين في الصف الأمامي من وراء ستائر السياسة والمخابرات.
بالنسبة إلى دولنا العربية والإسلامية، ما زالت الحرب قائمة ضد الإرهاب. ولا نعتقد أن الخطوات الأمنية التي قطعت حتى الآن كافية كي نعلن انتصاراً ولو مرحلياً على هذه الظاهرة. فتراجع عدد الهجمات لا يعني النظر باطمئنان إلى هذا التراجع، خصوصاً أن المؤشرات الاقتصادية لا تدعم مثل هذه النظرة. غير أن ما يستحق الانتباه إليه هو أن أجهزة دولنا أصبحت أكثر خبرة وقوة وحنكة وذكاءً في التصدي لخطط التنظيمات الإرهابية ولهجماتها، وهذا في الحقيقة مظهر تطور يستحق البناء عليه إذا ما تم تأمين المعالجتين الاقتصادية والثقافية بنفس القوة والذكاء.
كما أن واقع العلاقات بين الدول العربية الإسلامية مطلوب منه معالجة تصدعاته؛ لأنه بعودة التحالفات الإقليمية المحورية يمكن قطع خطوات أكثر أهمية، سواء على مستوى التعاون الأمني، أو مجرد رسالة أن العلاقات جيدة بين الدول القوية في المنطقة.
إن الإرهاب يعشش أينما وُجد الفقر والانشقاق والتوتر والخلافات، وهو يستهدف الجميع، وفي بحث دائم عن مناطق عيش جديدة في صورة هزيمته في مناطق معينة، وهو ما يفيد بأن مؤشر الإرهاب العالمي، حتى وإن أظهر تراجعاً من حيث عدد ضحايا، فإن ذلك يجب أن يكون معطى نستفيد منه لقراءة الواقع العربي، وتحديد ما إذا كان هذا التراجع هو نتاج جهود نجحت في الحد من الإرهاب وفي تضييق الخناق على أخطر تنظيماته وهو «داعش»، أم أنه يخضع إلى تفسيرات أخرى.
لقد مرت سنة أقل إرهاباً مما سبقها من السنوات الأخيرة، والطموح ونحن على أبواب سنة جديدة أن نواصل الحد من الإرهاب بشكل يؤسس لبيئة عربية إسلامية أكثر مناعة، وأقل عرضة لفيروس الإرهاب. فنحن ثقافياً لم نؤسس بعد لحصانة ضد قيم الانغلاق والتكفير رغم أنه للحقيقة يمكن القول إن الانخراط في المنظومة الحقوقية الإنسانية وفكر عدم التمايز من شأنه أن يصب في رصيد الانفتاح والتسامح، وهو في حد ذاته معالجة للثقافة من بوابة حقوق المواطنة.
فهل نشهد سنة أقل إرهاباً وصفر ضحايا من الإرهاب؟
يخطئ من يعتقد أن الإجابة عند الإرهابيين، بل إنها تتحدد بمجهودات الأجهزة الأمنية وقدرة حكوماتنا ونخبنا على حماية شبابنا، وذلك بتوفير الكرامة المادية والتربية على الأفكار الإنسانية الكبرى.