إميل أمين
كاتب مصري
TT

«ستراتفور»... إيران إلى أين في 2019؟

من أهم المراكز البحثية العالمية ذات المسحة الاستخبارية حول العالم، يجيء مركز ستراتفور الأميركي الذي يعتبر لدى جمهور الباحثين بمثابة استخبارات الظل للولايات المتحدة عامة، والشاهد أنه حينما نتحدث عن قيام «ستراتفور» باستشراف العام المقبل 2019، فإن الأمر لا يدخل في إطار استشارة النجوم أو التنظير عبر الكرات البلورية، وإنما تعتمد التقديرات المستقبلية على المعلومات والتحليلات، وعادة ما تستخدم خوارزميات رياضية لتحديد الاحتمالات، في عالم بات يقدّر للدراسات المستقبلية موقعها وموضعها حول العالم.
مثيرة هي قراءة «ستراتفور» بشأن إيران في العام الجديد، إذ تفيد بأنه على الرغم من العقوبات الاقتصادية المكثفة والمعززة، وخروج أميركا من الاتفاقية النووية، والأضرار التي لحقت وسوف تلحق بنظام الملالي، فإن المؤسسة الدينية الإيرانية القابضة على الحكم لن تسقط، حتى إن مرت البلاد بأوقات عصيبة.
تحليل «ستراتفور» يستلفت الانتباه إلى إشكالية العلاقات الدولية في العقدين الأخيرين، وكيف بات العالم رقعة شطرنج إدراكية، بعد أن قلصت العولمة الحدود، وألغت السدود، وأضحت عوامل الجيوبوليتك الدولية هي الفاعلة، في الفضاءات الافتراضية قبل الواقعية.
وباختصار غير مخلٍ، بات المشهد الآني يؤذن بصراع القوى الدولية في عالم ما بعد الحرب الباردة، فموسكو وبكين في مواجهة ساخنة، وإن غير مسلحة مع واشنطن، إلا أنهما لا توفران آلية أو وسيلة للاختصام من النفوذ الأميركي شرق أوسطياً، ولهذا فإن الدعم المقنّع من قبلهما للنظام الإيراني، لا يسعى لتعزيز قوى راديكالية على الحدود الجنوبية لها، قوى قد تمتلك يوماً أسلحة دمار شامل تتهددها بها، بل لمحاولة حصار الوجود الأميركي، إلى حين الوصول إلى تقسيم جديد لعالم ما بعد النظام العالمي الجديد.
في تحليل «ستراتفور» كلام خطير ومثير، إذ يشير باحثو المركز الأهم استخباراتياً في أميركا اليوم إلى أن إيران ستبذل كل ما بوسعها للانتقام من خصومها، ولكنها لن تثير أي عمل عسكري باستخدام الأسلحة التقليدية... هل هناك تضاد في هذا الطرح؟ بالقطع لا يوجد، ذلك أن إيران تدرك أنها نمر من ورق في مواجهة الحضور العسكري لدول الجوار والمعسكر الغربي، فكل أسلحتها التقليدية قد عفّى عليها الزمن ولم تتناولها يد الصيانة منذ سبعينات القرن الماضي، لكنها قادرة بالفعل على إثارة القلاقل من خلال وكلائها في المنطقة؛ الحوثيين في اليمن، و«الحشد الشعبي» في العراق، ومنتسبيها في سوريا، و«حزب الله» في لبنان، و«حماس» في غزة.
هذا المشهد تنبه له مجلس الأمن الدولي بقوة في جلسته الأخيرة، خصوصاً في ضوء التطورات السريعة والخطيرة لبرنامج إيران الصاروخي، والتجارب الخاصة بنوعيات باليستية طويلة المدى تجعل منطقة الخليج مهددة بالفعل، ناهيك ببعض دول جنوب أوروبا، وما أطلقه الحوثيون من صواريخ على المملكة طوال العام الحالي وقبله، يؤكد أن «ستراتفور» يقرأ الأحداث والأزمنة بعين فاحصة وخلفية شاملة تأخذ كل عناصر المشهد في حساباتها.
التقرير عينه يلفت إلى أن الفراق الأوروبي - الإيراني سوف يأتي لا محالة، رغم محاولات الأوروبيين الإبقاء على شعرة معاوية، إن جاز التعبير، مع نظام الملالي، والأكثر إثارة أن صفحات التحليل الاستراتيجي لـ«ستراتفور»، تشير إلى أن طهران لديها رغبة في الرد على العقوبات الأوروبية، قد تصل إلى استهداف مصالحها في مياه الخليج في حال الضرورة القصوى، وهو الأمر الذي أشرنا إليه مراراً، وقلنا للأوروبيين إن نظاماً عقائدياً على هذا النحو لا يؤمن جانبه من أي ناحية.
تقرير «ستراتفور» يضعنا أمام علامة استفهام جوهرية؛ ما موقف الولايات المتحدة من حلفائها الإقليميين في المنطقة، وهم الأكثر عرضة لمغامرات الحرس الثوري الإيراني الطائشة، ولأعمال وكلاء الشر في المنطقة؟
الجواب بدوره موجود في سياق التحليلات، وفيه أن واشنطن تنظر إلى منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط على خلفية تقسيم آيديولوجي واستراتيجي، يمضي في طريقين؛ الأول مجموعة يمكننا أن نسميها دول الرفض المطلق لإيران وسياساتها، وفي المقدمة منها الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإسرائيل، وهذه ستجد كل الدعم الأميركي، وستبدأ في تنسيق إجراءاتها ضد إيران، سواء في الفضاء الإلكتروني الذي تستغله إيران لإشاعة الفوضى وإثارة الديماغوجيين ضد الأنظمة والشعوب، أو في مجال تنفيذ العقوبات، وصولاً إلى ترتيب الأوراق العسكرية إن لزم الأمر.
والمجموعة الثانية وهي أقل استعداداً لاتخاذ إجراءات ضد إيران، لكن المؤكد أنها حال احتدام المشهد ووجوب الاختيار بين واشنطن وطهران، ستجد هذه الدول ذاتها مطالبة بتقديم مساعدات استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية في العلن للعم سام، أما العون والمدد العسكريان فسيتمّان ولا شك لكن بصورة جهرية لا سرية.
الدور المخرب لإيران في المنطقة وبحسب تقرير «ستراتفور» يتصل جوهرياً بما تقوم به في سوريا، حيث يرى التقرير أن إيران تواصل تعزيز وجودها في سوريا، وترى في ذلك وسيلة لردع إسرائيل، وهذا يعني كذلك أنها سوف تستمر في دعم «حزب الله»، الذي تراه حليفاً مؤثراً في لبنان المجاور، ما سيدفع إسرائيل إلى العمل بقوة من أجل عرقلة الخطط الإيرانية، حتى إن أدى ذلك إلى مواجهات مسلحة في جنوب لبنان...
ماذا عن بقية المشهد الدولي لـ«ستراتفور» بالنسبة للعام الذي يهل علينا، وفيه السماوات محملة بغيوم داكنة وتنذر بأمطار وسيول مغرقة للأوضاع الدولية المهترئة؟ إلى لقاء آخر بإذن الله...