محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

من يفسد حواراتنا؟

في كل اجتماع، ولقاء، وبرنامج حواري، هناك من يفسد علينا متعة الإنصات إلى أحاديث شيقة. هذه الآفة لا تدعنا وشأننا فهي تأبى إلا أن تحشر نفسها في كل شاردة وواردة. تجيب قبل أن تفهم السؤال وتنسى أن نصف الإجابة في فهم السؤال! تسأل قبل أن تدرك الفكرة. تهاجم قبل أن تستوعب. تلاسن قبل أن تحسن الظن. توئِد الفكرة قبل أن تصغي إلى آخر المتحدثين. تعارض قبل تدبر باقي الخيارات. هذه الآفة تظن واهمة أنها قبلة الجالسين وأنيسهم، وأن متعة الأحاديث لن تتجلى إلا بتعليقاتها السطحية!
والأسوأ أن تصاحبك تلك الآفة الثرثارة في رحلة طائرة أو سيارة فيُسقط في يدك. فلا أنت وجدت آذاناً صاغية تفرغ فيها مشاعرك وأحاسيسك أو تجربتك الثرية ولا وجدت لساناً أو عقلاً يثريك. من هنا سعدت حينما قرأت خبراً مفاده أن الحكومة البريطانية قد أعدت قبل عدة سنوات «خطة فريدة من نوعها تقضي بتنظيم برنامج جديد يهدف إلى تدريب سائقي سيارات الأجرة على الإنصات إلى الركاب بدلاً من توجيه الكلام إليهم، فقد اكتشفت الدراسات أن سيارات الأجرة توفر مناخاً مريحاً لمساعدة المواطنين في البوح بمشكلاتهم، خصوصاً النساء اللائي يعانين العنف الزوجي ويسارعن بطلب سيارة الأجرة للابتعاد عن البيت»، وذلك بحسب تقرير لنعمات البحيري في مجلة «العربي».
‏‏وكذلك الحال مع شركة أميركية سيرت سيارات أجرة (ميني فان) في شوارع نيويورك بسائق وأخصائي نفسي يرهف الأخير سمعه لمن يعانون من ضغوطات حياتية ووظيفية. وكانت أيضاً محاولة للتغلب على الازدحام المروري الخانق في عاصمة الأعمال.
مشكلة آفات المجالس (الثرثارين) أنهم لا يستوعبون أن متعة الحديث تكمن في منح الآخرين فسحة من الوقت للبوح عن مكنوناتهم. فإذا أردت أن تكسب مودة من حولك؛ امنحهم آذان صاغية. فكلما أسهب أحدنا في الحديث، واستأثر به، تقلصت تدريجياً دائرة اهتمام المستمعين بكلامه. ولذا فإنني، وبعد تأمل طويل، قد أطلقت على كتابي الأول عنوان «أنصِت يُحبك الناس»!
[email protected]