كاميليا انتخابي فرد
كاتية إيرانيّة
TT

لا تصدر ضوضاء.. روحاني زرع أزهارا!

هناك مثل عامي شهير تستخدمه الجدات في إيران عندما يردن تذكير الآباء والأمهات عندما يعطون الكثير من الاهتمام للابن المدلل قائلين: «لا تتحدث، لا تصدر ضوضاء، أحمد الصغير زرع خيارا!».
يشير هذا المثل إلى الاهتمام الكبير الذي يعطى للطفل لجعله واثقا جدا في أي أمر يقوم به. استخدمت هذا المثل لوصف الأجواء بين الصحافيين والناشطين السياسيين في إيران، الذين يبدون استياءهم هذه الأيام بسبب صمت الرئيس حسن روحاني إزاء موجة الاضطهاد الجديدة ضد الصحافيين.
يعج الفضاء الإلكتروني والقنوات التلفزيونية الفارسية التي تعمل من خارج إيران بشكاوى وتقارير تتناول جميعها الأسباب وراء عدم قدرة الرئيس على مواجهة المتشددين.
وازدادت حدة غضب الصحافيين بسبب موجة الاعتقالات الجديدة التي طالت أربعة مواطنين مزدوجي الجنسية وهم صحافيون (إيرانيون أميركيون) قبض عليهم في إيران (أفرج عن واحد منهم).
وبدا واضحا منذ الوقت الذي أصبح فيه روحاني رئيسا أن أولوية حكومته أبعد من الحرب المحلية في البلاد التي تتعلق بمسألة لباس الإناث أو المواجهة القضائية مع الصحافيين، بل أولويته تستهدف إصلاح الاقتصاد المصاب بالشلل من خلال حل قضية الملف النووي وتحسين علاقات إيران مع القوى الغربية القوية.
هل فشل الرئيس روحاني في هذه المهمة؟
ربما تنبئنا مراجعة أداء روحاني بعد عام من تقلده للمنصب عن التحسينات الكبيرة التي جرى إدخالها في المسائل التي ركز بشأنها. غير أن إجبار الرئيس على الاصطفاف في جانب الاعتقالات الأخيرة بحق صحافيين محليين وصحافيي وسائل إعلام دولية، هو بالضبط ما يسعى إليه المتشددون لإطلاق جبهة لمهاجمة الرئيس روحاني وفريقه من المفاوضين في المحادثات النووية.
ربما ليس هناك شيء أهم لدى روحاني وحكومته في المدى الطويل أكثر من رؤية مزايا المفاوضات والفوائد الاقتصادية التي سيجلبها عقد صفقة ناجحة على جميع الإيرانيين، وليس على مجرد مجموعة صغيرة من المسؤولين الفاسدين. ولا يرغب روحاني في فقدان دعم المثقفين والصحافيين، ولكن بالمقارنة مع ما قد تجنيه الحكومة لصالح الأمة كلها، ربما يفضل غض الطرف عن كل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان.
وما سيتبع الفوائد الاقتصادية الكبيرة التي سوف يستمر تأثيرها في البلاد خلال فترة تمديد المحادثات النووية، طالما بقيت إيران على طاولة المفاوضات مرنة وصادقة في تعاملها مع مجموعة 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا)، هو ما يسعى إليه روحاني نفسه وفريقه.
من المنتظر أن يحفز عقد صفقة نووية نهائية اقتصاد إيران من خلال السماح لها بإعادة الاندماج في أسواق النفط العالمية والوصول إلى أكثر من 100 مليار دولار من احتياطيات العملات الأجنبية، وكذلك من خلال توفير قوة دفع جديدة لبناء شراكات تجارية والانخراط في التبادل العلمي.
لقد عبرت إيران شوطا طويلا وحققت تقدما كبيرا في المفاوضات، وجميع هذه الحقائق تجعلنا نفهم صمت الرئيس روحاني تجاه الضغوط غير المسبوقة المفروضة على الصحافيين في إيران. ببساطة لا يريد روحاني أن يعرض المحادثات النووية للخطر من قبل أي جهات دولية قد يكون لها تأثير سلبي على المفاوضات.
يتعامل الساسة الإيرانيون مع هذه التحديات بمهارة وهم على ثقة في قدرتهم على صنع التاريخ وحل إحدى أكبر الأزمات الدولية التي تواجه الجمهورية الإسلامية منذ أزمة الرهائن في عام 1980 ولماذا عليهم أن يخاطروا بالفرصة؟
لقد علم الشعب الإيراني أنه لن يستفيد من العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة على بلاده وربما تكون الأكثر تأثيرا بالسلب بسبب الفشل في التوصل إلى اتفاق بغض النظر عن مدى حساسيتهم بشأن المسائل الداخلية مثل انتهاك حقوق الإنسان. لكن الأكثر أهمية لغالبية الإيرانيين هو الحرية الاجتماعية، وحياة في المتناول والعيش في سلمية من المهم بغض النظر عن مستوياتهم التعليمية والاجتماعية. إدراك هذه الحقيقة باعتبارها مفتاحا لإرضاء الجماهير، يجعل إيران تبقى بعيدة عن الصراع الأخير بين الفلسطينيين والإسرائيليين في غزة. ولأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تأتي حكومة إلى السلطة تدرك الاحتياجات العاجلة لشعبها من أجل تلبيتها أولا وتنحي آيديولوجيتها جانبا. وفي هذه الحالة يمكنني أن أغير قليلا من المثل الفارسي العامي القديم وأجعله بهذه الطريقة: «نعم! لا تتحرك.. لا تصدر صوتا.. روحاني زرع أزهارا».