ماري شابيرو
TT

التغير المناخي والاستثمار

مع تزايد تأثيرات التغيرات المناخية بدأت أسواق المال تتطلع إلى تحقيق الاستدامة. فبعدما كانت التغيرات المناخية مجرد قضية هامشية في أحسن الأحوال، باتت الآن مكونا أساسيا لأي استراتيجية متعلقة بالاستثمار.
ليس غريباً أن صناعة المال بدأت تتضمن الاحتباس الحراري في تقييمها لمخاطر ومتطلبات الشفافية. فالكوارث الطبيعية الأخيرة - مثل الحرائق التي شبت في كاليفورنيا أو العواصف التي على جنوب شرقي الولايات المتحدة – تسببت في خسائر تقدر بمليارات الدولارات، وبلغت العام الماضي وحده 306 مليارات دولار، وهو رقم قياسي غير مسبوق. وتسببت تلف المحاصيل وتعطل سلاسل الإمداد وارتفاع تكلفة التأمين في جعل القطاعات التجارية أكثر حذرا من الأخطار المحدقة وبضرورة تحقيق النمو الاقتصادي في المستقبل.
لقد حاولت مساعدة المستثمرين في فهم وتقييم تلك التهديدات الطارئة عندما كنت رئيسا للجنة الأوراق المالية والبورصة، التي كان من مهامها تقديم المشورة للشركات العامة للبدء في الإفصاح عن مخاطر التغييران المناخية.
وفي القطاع الخاص، أواصل حاليا التركيز على القضية ذاتها بوصفي نائبا لرئيس «مجلس معايير المحاسبة» التي قامت بصياغة أول معايير للمحاسبة المستدامة للإبلاغ داخل الولايات المتحدة. وكذلك ترأست مهام فريق عمل «الإفصاح المالي المتعلق بالتغييرات المناخية»، وهي نتاج مبادرة «مجلس الاستقرار المالي» التي تقدم بها محافظ البنك المركزي الإنجليزي، مارك كارني، ومايكل بلومبرغ، مؤسس ومالك غالبية أسهم مؤسسة بلومبرغ، الشركة الأم لمؤسسة «بلومبرغ نيوز» الإعلامية، التي استحدثت إطارا للإفصاح الطوعي عن مخاطر التغييرات المناخية التي اعتمدتها أكثر من 500 شركة دولية.
تلك الجهود وغيرها ساعدت الشركات على تحديد وإدارة وكشف ما تواجهه تلك الشركان من مخاطر مرتبطة بالمناخ. وتساعد هذه البيانات المستثمرين على اتخاذ قرارات تحدد الوجهة المالية لاستثماراتهم. ففي الوقت الحالي، يجرى توجيه أصول داخل الولايات المتحدة بقيمة 12 تريليون دولار الى التنمية المستدامة، وهو ما يمثل نحو ربع إجمالي الأصول الموجودة في إطار الإدارة، بزيادة تقدر بنحو 38 في المائة خلال سنتين فقط، وهو ما يمثل تقدما في حد ذاته، لكن لا يزال هناك المزيد يمكن تحقيقه.
أمام اللاعبين الماليين ومستثمريهم الكثير ليجنوه من التحول تجاه المزيد من الاستدامة، حيث تقدم هذه الاستثمارات فائدة مزدوجة: فهي تقلل الانبعاثات وتسرع من وتيرة التحول تجاه اقتصاد الكربون المنخفض، ويمكن أن يدر ذلك الكثير من المال، أو يوفر بعضه. وقد بدأ وعي الناس في الازدياد بشأن أول محورين للاستثمار المستدام وهما تحديد المخاطر والشفافية. وعلينا إبلاغ الناس بشأن المحور الثالث ألا وهو الحاجة الى توجيه رأس المال نحو الفرص المستدامة، سواء في الداخل أو الخارج.
ولتحقيق هذا الهدف، فإن المؤسسات المالية الكبرى قد أسست سويا ما يعرف بـ«التحالف من أجل الاستدامة المالية» بقيادة بلومبرغ. وسوف يقدم أعضاء التحالف المصادر والخبرات اللازمة لتحديد وتوجيه مبادرة التمويل المناخي، وفي النهاية المساعدة في توجيه المزيد من رأسمال الاستثمارات المستدامة.
على الولايات المتحدة أن تكون في طليعة تلك الجهود إن أرادت الاستمرار كقائدة للعالم في الإبداع المالي. وسيساعد التحالف الجديد الشركات الأميركية على تنفيذ بتمكينهم من الاستفادة من تريليونات الدولارات المتاحة على هيئة فرص استثمارية مطلوبة لتحقيق هذا التغيير في سبيل الوصول الى اقتصاد منخفض الكربون.
لطالما كان تقييم المخاطر جانبا جوهريا في الحسابات الخاصة بالتنمية المستدامة، وستكون المكافأة في النهاية جزءا من المعادلة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»