حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

رحيل رجل محترم

تعيش الولايات المتحدة حالة من الحزن العميق على رحيل رئيسها الأسبق جورج بوش، الرئيس الحادي والأربعين في ترتيب الرؤساء.
هناك قناعة كبيرة لدى الأميركان أن عهد جورج بوش كان عهد آخر الرؤساء المحترمين. يعرفه العالم العربي أنه قاد ونظم وأدار حرب عاصفة الصحراء لتحرير الكويت من احتلال الطاغية صدام حسين بعد غدره بها (تماما كما فعل نظام الأسد وابنه بلبنان). كون تحالفا من أكثر من 35 دولة، أدار الحرب دبلوماسيا وعسكريا وأنجز المطلوب بأقل قدر من الخسائر الممكنة، وكان له الدور المهم لإسقاط حائط برلين ونهاية الشيوعيين في شرق أوروبا وعودتها إلى الرأسمالية الليبرالية والديمقراطية. أتى إلى السياسة كما جاء من قبله أبوه من باب مجلس النواب. بدأ في تكوين مسيرة عمل سياسي متكامل وتنقل في المناصب من سفير بالأمم المتحدة إلى رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، إلى نائب رئيس للولايات المتحدة، وصولا إلى رئيس أميركا. التقيت الرجل بعد أن ترك المنصب، وترك عندي انطباعا إيجابيا ينم عن بساطة الشخصية ونبل الأخلاق.
ولا أخفي إعجابي بشخصيته بصفته زوجا وفيا لزوجته لمدة تزيد على 73 عاما كانت مليئة بالحب والعواطف والتحديات، وأبا وجدا معطاء لا يبخل بإظهار عواطفه إن لم تكن باللفظ والكلمات المسموعة فبالكلمات التي يخطها بيده شخصيا. كما أن وفاءه لأصدقائه معروف عنه وأصبح يضرب به المثل في الأوساط السياسية الأميركية، فأقرب أصدقائه هو وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر الذي فقد زوجته، والذي قابلته في البحرين ذات يوم، وسألته عن الفارق بين العمل مع رونالد ريغان وجورج بوش، قال لي «مع بوش كان العمل مع صديق تحبه»، ومعروف أن جيمس بيكر فقد زوجته الأولى بعد وفاتها بسبب مرض السرطان، وتركته مع أطفالها الأربعة صغار السن، وكان في طريقه لأن يدمن شرب الكحول، وأدرك ذلك صديقه جورج بوش ليطلب منه أن يقود حملته الانتخابية للوصول إلى مجلس النواب عام 1964. ومن هذا الوقت يشعر أن «أعز أصدقائه» أنقذ حياته وأشغله عن أحزانه بالعمل والإنتاج فساعده على النسيان وعلى الحياة لأجل الحياة. وظل ملازما له حتى اللحظات الأخيرة التي فارق فيها الحياة وهو على فراش الموت. لم تخرج على عهد الرجل فضائح أخلاقية من أي نوع، عرف بالاستقامة في حياته، ووضع حد أخلاقي للتعامل. قابلت ابنه الأصغر «نيل» وهو رجل أعمال لم يدخل في مجال السياسة على عكس شقيقيه وأبنائهما.
ركز «نيل» على الأعمال ودخل في مجال تطوير التعليم، وقال لي وقتها إن ذلك كان بتشجيع من والده على أن يضيف قيمة في حياته. كان آخر الرؤساء المحترمين الذين تركوا المنصب باحترام وتقدير، وسن سنة اتبعها كل من جاء بعده من الرؤساء، فلقد ترك رسالة خطية كتبها بيده وتركها على طاولة الرئيس في المكتب البيضاوي بالجناح الأيسر بالبيت الأبيض لتكون في استقبال الرئيس الجديد وقتها بل كلينتون، ولقد قلده بعد ذلك جميع الرؤساء الذين جاءوا من بعده. والعجيب أن التنافس العنيف الذي حصل في الانتخابات الرئيسية بين جورج بوش وبل كلينتون، وفارق العمر الذي يجعل من الممكن أن يكون الثاني في عمر أحد أبناء الأول، لم يمنع من تحول العلاقة بين الرجلين إلى صداقة عميقة ومتينة وغير متوقعة، جندت لصالح جمع التبرعات لضحايا الكوارث الطبيعية حول العالم.
وفاة جورج بوش تذكر بعهد الزعماء الكبار المحترمين في العالم الغربي، وعلى ما يبدو أن ذلك عهد قد مضى بلا عودة.