حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

«جريمة» غصن وشبهات القضاء الياباني

تم تمديد الحبس الاحتياطي لمدة عشرة أيام إضافية بحق كارلوس غصن، رجل الأعمال البرازيلي اللبناني الأصل، الذي كان يقود تكتل شركات السيارات نيسان ورينو وميتسوبيشي، وذلك استكمالاً للتحقيقات بخصوص الاتهامات العظيمة ضده والمتعلقة بالتجاوزات المالية والتهرب الضريبي.
ولقد تطرق الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الياباني آبي إلى موضوع غصن، خلال لقائهما في قمة العشرين بالأرجنتين، وكان لافتاً تصريح آبي الذي قال فيه إنه لا يمكن «الجزم» بالإبقاء على التكتل كما هو عليه، واعتبر هذا التصريح سلبياً بحق الجانب الفرنسي «رينو»، وهي شركة السيارات العملاقة والمملوكة من الحكومة الفرنسية وتقود إدارياً هذا التكتل المهم، وبالتالي هناك «قلق» فرنسي من تبعات خسارة قيادة هذا التكتل، وآثاره الاقتصادية السلبية المتوقعة في ظل أجواء مضطربة تمر بها فرنسا نتيجة قرارات اقتصادية صعبة أصدرها الرئيس الفرنسي.
أيضاً هناك بعض التقارير المحترمة صدرت مؤخراً تقول إن ما يحصل الآن بالإضافة إلى كونه تحقيقاً بشأن تجاوزات ومخالفات مالية ومستحقة بحق غصن، إلا أنه يعكس ثقافة المناخ الياباني المتشدد، وخصوصاً في عالم الأعمال فيه. فكارلوس غصن «غير الياباني» تبوأ منصب رئيس ثاني أكبر شركة سيارات يابانية (ضد رغبة ورثة وأفراد عائلة نيسان والموجودين في إدارة الشركة)، وكان هوارد سترينجر، الأميركي الجنسية، أول وأشهر حالة لتبوؤ غير ياباني منصب رئيس الشركة التنفيذي عندما فعل ذلك في شركة «سوني» العملاقة عام 2005. ولكن على ما يبدو أن الثقافة اليابانية المتشددة ظلت تحاربه، فكلمة الغريب في اللغة اليابانية هي الأشهر تطرفاً مقارنة باللغات الأخرى (جاي غين) وهي تعني القادم من كوكب آخر، وقد أظهر ذلك ببراعة الروائي البريطاني الرائع جيمس كلافيل في روايته الرائعة والتي تحولت لاحقاً إلى عمل تلفزيوني بديع باسم «شوجن». كذلك طغت ثقافة الشركات الكبرى المعروفة باسم «السوجاشوشا»، وهي التي تعتبر نفسها أشبه بناد حصري لها قيمة وقدرة أعلى من غيرها، وهي منظومة فريدة من نوعها، قلدها الكوريون الجنوبيون باسم «التشيول».
رؤساء شركات السيارات يتحولون إلى ما يشبه نجوم السينما الهوليوودية ونجوم الروك أند رول. فمنذ أن وضع هنري فورد اسمه في التاريخ كأول من أنتج السيارات على خط الإنتاج الآلي حتى توالى النجوم منهم جاك سميث رئيس جنرال موتورز وجون ديلوريان مصمم السيارات الاستثنائي وفيراري ولي اياكوكا الذي دوماً ما يتم الاستشهاد بإدارته وبكافة قراراته التي ساهمت في إنقاذ الشركة من الإفلاس وعودتها إلى الأرباح والتوسع. وأخيراً احتل كارلوس غصن هذه المكانة على المستوى العالمي.
ما يتم تسريبه الآن من أخبار أنه تم «الإيقاع» بكارلوس غصن لأنه «أجنبي» وبالتالي لا بد من «تطهير اليابان منه»، واستغلال جشع غصن يفتح الأبواب مجدداً ضد القضاء الياباني الذي تحيطه دوماً شبهات الغموض، وأيضا المحاباة وخصوصا لصالح الشركات الكبرى «السوجاشوشا».
داء العنصرية هو سرطان لعين وخبيث لا يمكن تجميله لا بشعار الوطنية ولا تحت سقف القانون والقضاء. اليابان وقضاؤها على المحك في قضية من الوزن الثقيل.