فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

جولة الأمير... الطريق لأوروبا الجديدة

لم تعد الرؤية التنموية التي لدى الأمير محمد بن سلمان مقتصرة على الداخل، ففي مؤتمر الاستثمار تحدث عن القوى الاقتصادية العربية، والإمكانات المتاحة، والطاقات المعطلة. وهو بزياراته هذه والجولات التي بدأت بالإمارات ثم البحرين، ومصر، وتونس، وغيرها، ستؤدي إلى فتح كوى للمجتمعات العربية في ظل هذا الواقع البائس الذي عاشته بعد الاضطرابات خلال السنين الحالكة الماضية. والسعودية بوصفها من ضمن الدول الاقتصادية الأقوى في العالم قادرة على تحسين شروط التنمية في المنطقة العربية، وذلك من خلال دعم اقتصادي، ودفع استشاري. ومجتمعات المنطقة عرفت منطق الأمير، وخبّرت رؤيته التنموية، وتتمنى أن يكون لديها مثل هذه الرؤى أو ما يضارعها.
تحدّث الأمير عن قدرة العرب على صناعة تنمية تقارب بها النموذج الأوروبي، وقال بوضوح إن المنطقة ستكون «أوروبا الجديدة»، وهذا الطموح القوي يفسر الجولة الأميرية التاريخية. لقد مرّت قرون قاسية على المجتمعات العربية، هيمنت فيها الأفكار الوحدوية الفاشلة، ووقعت تحت نير الانقلابات العسكرية، وانتهى بها المطاف نحو نماذج أصولية. هذا الدوران في فلك الفشل سببته الرؤى الخشبية القديمة، التي دمرت الشام والعراق والآن ليبيا تحت النار. وقد حالف مصر الحظ بالنجاة فوثبت، وتونس استطاعت أن تنطلق قدر الإمكان بسبب الإرث الصلب في المؤسسات، مما منع الدولة من الانهيار حتى مع الزحف الأصولي، والخراب الثوري.
بالإضافة إلى الاقتصاد، ثمة تحديات أخرى لدى العرب، من بينها تغيير الأفكار والجماجم، والبحث عن مخارج للمآزق الفكرية الكارثية، ومن هنا يكون تغيير الأفكار الطريق الأكثر سهولة للتغيير الشامل. صحيح أن الاقتصاد يحمل معه تغييرات فكرية قسرية، وأن النماذج التنموية تغير في القوالب الفكرية، وهذا له شواهده التاريخية، غير أن الأفضل تجويد مؤسسات التعليم والانخراط بها في حركات التحديث والفكر الحر، وتجذير تدريس الفلسفة والموسيقى، وتخفيف الحشو الممل، وسحق الأفكار المتطرفة في أي من المناهج التي تعتمد في مؤسسات التعليم العربية. فالتعليم سرّ أي تنمية، ولنا في كوريا الجنوبية واليابان أكبر الأمثلة على ذلك.
ذاقت الدول العربية بمعظمها ويلات الإرهاب، وزيارة الأمير يمكنها أن تدعم العرب وتزيد من حرصهم على سحق التطرف ليس على مستوى التنظيمات، وإنما من الجذر. إن التطرف هو نواة الإرهاب، ومن دون ردم منابعه بقوة، وضمان عدم استنباته مجدداً لن ينتهي العنف في هذا العالم، والعرب لديهم القدرة على ذلك ولكن بشرط أن يعرفوا من أين يأتيهم مارد الإرهاب، وهذا سهل إذا انتبهنا لأمرين اثنين؛ أولهما خطر جماعة «الإخوان المسلمين»، والاتفاق على قصف مقراتها ومحاربة كوادرها، وإحراق أفكارها ونظرياتها. والأمر الثاني الاتفاق على العداوة المطلقة مع إيران، والحرب على أذرعتها، والبدء بتمشيط المؤسسات التي تدعم إيران أو تدعمها إيران، وإعلان الحرب عليها، والبحث بشكل مجهري عن المؤسسات التي تنوي الانضواء وراء إيران وإغلاقها فوراً، فالأمن القومي لأي دولة فوق كل اعتبار.
ثمة مشروعان الآن لا ثالث لهما، وعلى كل دولة أن تختار؛ أولهما المشروع التنموي العصري، واستراتيجية أوروبا الجديدة التي يمثلها الأمير محمد بن سلمان بكل الطموحات والخطط. وهذا مشروع أثبتت الدول التي اتخذت مما يحاذيه مسار نجاحها كما في دبي والمنامة والرياض، ويمكن للأردن ومصر وتونس وغيرها من دول المنطقة الانضواء وراء هذا المشروع الذي سيرفع من معدلات النمو الاقتصادي، ويعزز فرص العمل، ويزيد من جودة الحياة في دول معظم مجتمعاتها من الجيل الشاب. وهذا المشروع ضمانة سياسية، ومجتمعية، وبه تتحقق أحلام المجتمعات. والمشروع الثاني الذي يمكن لأي دولة أن تختاره مصيراً لها ولمجتمعاتها، هو مشروع إيران، الذي ينتج عنه الخراب المطلق، والانحطاط الشامل، والتيه المهلك، والضياع المنهك... مشروع «حزب الله» وحركة «حماس» و«الحشد الشعبي» وتنظيم «القاعدة» و«داعش» و«بوكو حرام» و«عصائب أهل الحق». مشروع الموت والدم والقتل والإرهاب، والعنف وقتل الأطفال، واستئصال الشعوب والأقليات، وتفجير المساجد والكنائس والمعابد، وتفشي الجهل والبطالة والفقر. هذا المشروع إذا اختارته أي دولة فهي إلى انهيار، وشعوبها إلى انقراض، ومستقبلها سوف يسقط في الهاوية.
إن جولة ولي العهد السعودي ضوء في نفق مظلم يعيشه العرب بسبب آيديولوجيات كارثية دمرت أحلامهم ومستقبلهم، وملأته بالفشل والأحزان والدموع.