طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مواجهة السرطان بالحب

أول شروط المواجهة في أي «عارض» هو التحدي، وأولى جولات تلك المعركة الإشهار، وهكذا أُثمن تماماً إعلان عدد من نجومنا مؤخراً من مختلف الأجيال مثل إليسا وفاروق الفيشاوي ومي الغيطي، إصابتهم بمرض السرطان في مهرجاني «الإسكندرية» و«القاهرة». إليسا عرضت شريطاً لها بعد تمام شفائها، بينما مي والفيشاوي، صرحا بالإصابة في بداية الجولة، الناس صاروا طرفاً فاعلاً، ليصبحوا بمثابة قوة داعمة للفنان في المواجهة.
في الخارج وفي ظل ثقافة مختلفة، إعلان المرض يتم من دون إثارة تساؤل أحد، بينما دأبنا في مجتمعاتنا العربية أن نخشى من ذكر اسمه، فنُطلق عليه «الشرّ برّه وبعيد» أو «المرض الوِحش»، وكأنه عفريت سوف يترصد لنا لو سمع اسمه ولو عرضاً، طبعاً تلك القاعدة تتحطم بين الحين والآخر، مثل المطربة السورية نورا رحال، والمذيعة المصرية بسمة وهبة، كانت بسمة ترتدي الباروكة وتقدم برامجها، والفنانة نجلاء فتحي امتلكت في الحقيقة شجاعة نادرة عندما نشرت صوراً حديثة لها، ولم تخش بعض الأقلام التي طالبتها بأن تظل محتفظة بصورة أرشيفية لها وهي لم تتجاوز الثلاثين، كما أنها واجهت قبلها ببضع سنوات إصابتها بمرض نادر من «الصدفية»، بل وافقت على استخدام علاج لأول مرة يجري على البشر، وهي الآن تواجه بشجاعة محنة فقدان زوجها الإعلامي الكبير حمدي قنديل.
هناك طبعاً عدة اعتبارات تحيط الموقف، ويضطر فيها الفنان أحياناً للتكتم، مثلاً لأن شركات الإنتاج، خاصة ما يتعلق بالأعمال الدرامية، ربما تخشي الاتفاق معه لو علمت أنه قد طالته شائعة المرض، مجرد توقف التصوير، تعني بالنسبة لشركات الإنتاج خسارة محتملة، ولهذا قد تتعاقد مع فنان أقل كفاءة فنية إلا أنه أكثر كفاءة صحية؛ لأنه إذا حدث مكروه أثناء التنفيذ، حتى لو كان مجرد تعطل التصوير بضعة أيام لذهابه مثلاً إلى المستشفى، فهذا يعني لا محالة خسارة مادية، ومن هنا يحرص بعض ممن تطالهم شائعات المرض، أن يحضروا المهرجانات لكي ينفوا تلك الشائعات.
في الستينات من القرن الماضي، كان عبد الحليم حافظ يعلن المرض، البعض اعتبرها وقتها دعاية، بل كان أحياناً يأخذ أقراصاً دوائية أثناء الغناء على المسرح، ولم تتوقف الاتهامات التي طالته بتمثيل المرض، حتى رحل عن دنيانا وهو لم يبلغ بعد الثامنة والأربعين، بعدها فقط صدقوا أنها لم تكن شائعة، فريد الأطرش في أواخر سنوات عمره عندما كانوا يسألونه عن اقتراب زواجه، يجيبهم قائلاً هل أتزوج امرأة لتصبح ممرضتي؟!
من أشهر من وافقوا على نشر صور فوتوغرافية لهم أثناء العلاج الفنان الكبير محمد فوزي، وأطلقوا على مرضه من فرط ندرة حدوثه «مرض محمد فوزي»، بل أيضاً كتب نعيه الذي وجّهه للأطفال. سناء جميل أعلنت مرضها، بل كتبت أيضاً نعيها وطلبت من زوجها الراحل لويس جريس أن ينشر «قريبة ونسيبة كل المصريين» حيث إنها لم تعرف لها عائلة بعد أن هاجرت من إحدى قرى الصعيد للقاهرة، فتنكروا لها لأنها مارست الفن، ولم يأتِ أحد منهم لوداعها في الكنيسة.
السؤال الذي يتردد الآن، من الذي يملك إعلان الخبر؟ الفنان، أم الإعلام، كثيراً ما يجتهد بعض الزملاء في هذا الشأن، وكثيراً ما يخطئون في التوصيف، فيصيبون الفنان والأهل والعشاق بحزن عميق. الفنان فقط هو الذي يملك القرار.
دعواتي بالشفاء العاجل لكل المرضى الذين أعلنوا أو لم تواتِهم الشجاعة بعد، فما أشد حاجتهم جميعاً للدعاء!