خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حكاية الخواتم الثلاثة

يعتبر العالم اليهودي موسى بن ميمون من أعظم مفكري القرون الوسطى. تتلمذ على يد ابن رشد وتشرب فكره العقلاني واستهدى بأفكاره في كل ما كتب في تفسير الديانة الموسوية. وكان من درر إنتاجه كتابه الشهير باللغة العربية «دليل الحائرين». وقد شاع وانتشر في عموم منطقة البحر الأبيض المتوسط. انتشر الكتاب في عموم العالم الإسلامي. ولكن الأوروبيين حرموا الكتاب واعتبروه كفراً وأمرت الكنيسة بحرقه أمام الملأ. ولكن اليهود أثنوا عليه وكرموا مكانته فقالوا «من موسى إلى موسى لم يظهر من يضارع موسى».
ولد ابن ميمون في الأندلس وشب وتعلم فيها. ثم عبر البحر إلى المغرب وعمل فيه. ولكنه واصل سفره بالرحيل شرقاً حتى استقر في مصر. وهناك دخل وزيراً وطبيباً في خدمة صلاح الدين الأيوبي، القائد الكردي من أهل تكريت في العراق، الذي اشتهر بتسامحه وطيبته وشجاعته. لم يحترم الأوروبيون قائداً مسلماً كما احترموا صلاح الدين.
انعكست صفاته في مجالسه التي ضمت سائر الشخصيات الدينية والعلمية من مسلمين ونصارى ويهود. كان بينهم هذا الرجل العالم، موسى بن ميمون. وكثيراً ما جرى الكلام في شؤون الدين والتاريخ والفكر في هذا المجلس. ومن هذه الأحاديث والمناقشات، التفت السلطان يوماً إلى موسى بن ميمون وسأله أي الأديان الثلاثة في رأيك أعظمها؟
سؤال ما بعده من سؤال في الإحراج يلقيه قائد مسلم على تابع يهودي ذمي. فإن قال الإسلام أعظمها فقد كفر في دينه ونافق على السلطان. وإن قال دين اليهود أغاظ السلطان وسب الإسلام واستحق الحد. ولكن ابن ميمون لم يضع ما تعلمه من حكمة وعقل من معلمه، ابن رشد. قال لصلاح الدين: يا حضرة السلطان دعني أروي لك حكاية الخواتم الثلاثة. كان هناك رجل له ثلاث زوجات وعانى الكثير من تمردهن ومشكلاتهن حتى خطرت له فكرة. جاء بثلاثة خواتم متشابهة يحمل كل منها جوهرة كبيرة مشابهة. ثم قال لهن: هذه الجواهر الثلاثة منها واحدة فقط صحيحة ونفيسة وثمينة. أما الأخريان فكاذبتان ولا قيمة لهما.
بادرت الزوجات إلى سؤاله: أي منا تحمل الخاتم الثمين؟ فقال الرجل: الخاتم الثمين عند الزوجة التي تحبني وتخدمني وتطيعني أكثر من الأخريين.
وهكذا قضى الرجل بقية حياته وزوجاته الثلاث يتبارين في خدمته ومحبته وإطاعته. كل واحدة منهن تطمع في أن يكون خاتمها هو الخاتم الثمين.
الحكمة من وراء هذه الحكاية واضحة. ولكن ابن ميمون التفت إلى السلطان صلاح الدين وقال: كذا الشأن في هذه الأديان الثلاثة. أعظم هذه الأديان الثلاثة يا مولاي أصدقها إيماناً بالرب وأكثرها محبة له وعبادة وتقوى وإطاعة لله عز وجل.
وكانت حكايته من أفضل ما جاء في صدد حسن المخلص.