مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

قطر تقصف القضية الفلسطينية

يعد النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي تاريخاً قديماً يتجدد عبر صورة مستقبلية تعلقها إسرائيل بين الجدار العازل والحدود، تتقارب فيها المساحة ويحتدّ فيها النزاع، وتظل المساحة ملبّدة بالقلق والتوتر مما ولّد الصراع الدائم. لم تكتفِ إسرائيل بالمستوطنات لتوسيع مساحاتها ومجال شعبها، بل تعمل على تكوين غير ملائم ليستوعب أعداد المهاجرين اليهود، حتى أخذت الوضع الراهن في مقدمة الحسبان، وكسبت مزيداً من الأراضي لبناء مستوطنات جديدة حتى أصبحت مسألة تقع على عاتق الاحتلال، الأمر الذي جعل الحكومة الإسرائيلية تعكف على توسيع خططها متماديةً في توسعها إلى حدود الأراضي الزراعية وإلى ما وراء القدس التاريخية.
وهكذا تعينت اتجاهات مختلفة تنطوي على خلل خطير في ظل افتقار السلطة الفلسطينية إلى التلاحم مع باقي الحركات الفلسطينية مثل «حماس» وغيرها من الانقسامات، فهناك نسخة غير مألوفة تعمل عليها جوقة من النفاق السياسي المدعوم من قطر تتلخص في نشاط السفير القطري محمد العمادي، الذي نقل إلى قطاع غزة 15 مليون دولار، في حقائب دخلت عن طريق إسرائيل، وتمثل الدفعة الأولى من أصل 90 مليون دولار رصدتها قطر لدفع أموال موظفي حركة «حماس» التي تقدم خدمة جليلة لإسرائيل وغير إسرائيل من خلال قتل القضية مقابل مكسب سياسي مهمّ بفك رباط المقاطعة، وكان لهذا التناثر نقيصة نتج عنها ضجيج وعنف لا يؤدي إلى هدنة، وقد بلغت حدودها ضبابية كثيفة، وهذه حقيقة لا مفرّ من مواجهتها، فالتواطؤ في الجريمة يعد أكبر من أن تكون فورة غضب بل هي بمثابة خيانة للسلطة التشريعية وللقضية الفلسطينية بتكريس انقسام الفلسطينيين.
المهم هنا هو أنه إذا استعرضنا المتاهات التي ترسمها قطر لجعل ظروف القضية أمراً في غاية الصعوبة فهو منظور يقف على نقيض الاستقرار، وهذا النوع من المؤامرات هدفه التقليل من قيمة التضحيات والإصرار وإبعاد مصر عن المشهد في غزة، واستمرار المؤامرة مع «حماس» الإخوانية على الشعب الفلسطيني.
وفي كلمة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، أكد فيها رفضه فصل غزة عن الضفة، في إشارة إلى الحراك والأموال القطرية، قال: «وحدتنا الوطنية أغلى ما نملك، وهي سلاحنا الأقوى لمواجهة مشاريع التصفية والمؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا الوطنية». ومع ذلك، فإن علاج الثقوب السوداء في جسد فلسطين تتحمل نتائجه قطر وذراعها في المنطقة «حماس»، وعلى الدول العربية بتر المخطط قبل أن يتبرعم وينتشر، وإيقاف العبث الذي تمارسه قطر وحليفتها في قضية العرب الأولى، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج طاقة مضاعفة لمواجهة هذا التدخلات وتفتيت أجهزتها وأدواتها، وتعطيل عمل الأجهزة الاستخباراتية لجمع المعلومات وتنفيذ الاغتيالات والتحريض على تنفيذ هجمات على المدنيين، وتضمنت عدة مجموعات منها إرغون وعصابة شتيرن المؤيدتان للصهيونية في فلسطين، لا سيما أن حقل التجسس مزدحم على الكرة الأرضية.
والجزء الأهم في حلقة تجسس «الموساد» هو كسر مقاومة العرب وتعاونها مع المخابرات التركية. ويطلق على هذه العلاقة «المثلث الرهيب»، ويُعقد بشكل دوري كل ستة أشهر، حيث يتم تبادل المعلومات تتعهد فيه «الموساد» بتقديم تقارير إلى مركز الأمن القومي التركي حول النشاطات التجسسية المعادية، ويتعهد الأتراك أيضاً بتقديم تقارير حول نشاطات العرب التجسسية ضد إسرائيل، وهذا التبادل المريب محرك أساسي في طبيعة الصراعات.
وكانت من ضمن التسريبات تفاصيل تلك العلاقة العميقة، فقد كانت استراتيجية أجهزة الاستخبارات تقضي بتخفيف الأخطار، ولكن العكس هو الصحيح في إسرائيل وتركيا وقطر وإيران، في اللحظة التي تواصل فيها الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة مواصلة العمليات العسكرية على غزة التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، ولكن بعد وساطة مصرية توصلت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وذلك أعلنت عنه الأذرع المسلحة للفصائل الفلسطينية المسلحة، في قطاع غزة.
ولسنا بصدد تفصيل كيفية تدخلات قطر عبر سفيرها محمد العمادي في شأن الدولة الفلسطينية، ولكن اللقاء الذي عقده مع حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وعدد من الفصائل الصغيرة الموالية لهما يؤكد ذلك، إنها المسألة القديمة التي تعمل عليها قطر مع إسرائيل.
لا ريب إذا قلنا إنها أنماط مقتضبة من نشاطها الإرهابي في المنطقة، فمنذ أن علم العرب بدور قطر الإرهابي وإصرارها على تفكيك الدول العربية وتفتيت مؤسساتها وزرع الفُرقة في مجتمعاتها، تأكدت أن ما حل بالسلطة الفلسطينية من انقسامات مشروع قومي إسرائيلي بلورته قطر بعدما أثبتت الصور ووكالات الأنباء تنقلات سفيرها وهو متجه إلى أرض غزة يوزع الأموال الملطخة بالخيانة ويدعوهم للاجتماع لينفذ المخطط الذي يعمل من أجله.
ولكن إزالة أسباب الانقسام اعتمدت بشكل كامل على اتفاق القاهرة الذي وُقِّع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وبارك الرئيس الفلسطيني محمود عباس المصالحة، مطالباً حركة «حماس» بتنفيذ القرار وإعادة الاستقرار لأماكن الفوضى.