حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

أزمة إخصاب

تقليدياً وتاريخياً، يعتبر «حجم السكان» أحد عناصر قياس القوة في الدول حول العالم، فبالحجم السكاني كانت الدول توظف ذلك ضمن تقوية نفوذها العسكري، وبطريقة أخرى أصبحت توظف ذلك اقتصادياً لضمان الأيدي العاملة والسوق المحلية المستهلكة والمغرية للاستثمار فيها.
واليوم، ها هي الهند تستعيد لقبها (المركز الأول)؛ الدولة الأكثر تعداداً، على حساب الصين التي أدركت أن سياسة تحديد النسل الحادة بطفل واحد باتت تهدد مستقبلها، وقامت بتعديل هذه السياسة وسمحت بطفلين لكل أسرة. ولكن تقريراً مهماً صدر أخيراً يقول إن هناك انخفاضاً حاداً في نسبة الإخصاب لدى النساء، وبالتالي نسب نمو السكان في العالم، وإن الوضع لو استمر كما هو عليه ستكون له تبعات قاسية على العالم.
في عام 1950 كان معدل الولادة 4.7 طفل لكل امرأة، ولكن معدل الإخصاب استمر في الهبوط بشكل حاد جداً، حتى وصل المعدل إلى مستوى 2.4 طفل للمرأة الواحدة في عام 2017، وأظهرت الدراسة التي أجرتها جامعة واشنطن الأميركية التي استند إليها التقرير، أن هناك فجوة عظيمة وتفاوتاً هائلاً بين الدول، فبينما كانت نسبة الإخصاب الأعلى في جمهورية النيجر في أفريقيا والبالغة 7.1 طفل لكل امرأة، كانت قبرص الدولة الأوروبية التي حصلت على النسبة الأدنى بطفل واحد. وبينت الدراسة أن أكثر المتضررين كانت دول أوروبا وأميركا وكوريا الجنوبية وأستراليا. ولم تجزم الدراسة أن هبوط معدلات الإخصاب يعني بشكل تلقائي هبوطاً حاداً في عدد السكان، لأن ذلك يتضمن عوامل أخرى في غاية الأهمية، عوامل مثل الهجرة ومعدلات الوفاة ومعدلات الأعمار، ولكن عاجلاً أم آجلاً سيؤثر هذا الأمر في نسبة النمو السكاني ويجعلها سلبية ولا شك.
حتى الآن أكثر من نصف دول العالم تنتج العدد الكافي من الأطفال لتأمين نسبة النمو السكانية الصحية، ولكن مع التطور الاقتصادي ستتجه المجتمعات إلى نسبة إنجاب أقل، كما أشارت وأكدت الدراسة، بحسب المراجعة التاريخية لمجتمعات مختلفة. وحددت الدراسة أسباب هبوط التخصيب لدى النساء بنقاط لافتة ومهمة، هي أن نسبة الوفيات قلت أثناء الولادة، وبالتالي لم تعد هناك حاجة لمزيد من الإنجاب، كما هناك وسائل أكثر وأسهل تؤمن الوصول إلى وسائل منع الحمل ونسب أعلى من النساء في مجالات العلم والعمل.
وتحسم الدراسة خلاصتها أنه دون حلول تعتمد على الهجرة سيواجه كثير من الدول الصناعية مجتمعات شاخت وهرمت عمرياً، وسكاناً أقل دون عمالة منتجة جديدة تدخل إلى سوق العمل لرفع الكفاءة فيه. وقد تناقل هذه الدراسة كثير من الوسائل الإعلامية أخيراً لتضع «الهجرة» و«المهاجرين» مجدداً فوق الطاولة للبحث والتحاور حول ذلك الأمر.
إن أزمات العمالة المهاجرة ليست جديدة، ولكنها كانت دوماً ما تنصهر داخل المجتمعات الجديدة التي تصل إليها حتى علا الصوت العنصري المتطرف الذي يسمم المناخ المجتمعي حول العالم.
إنها دراسة تدق جرس الإنذار وتفرض التمعن في أزمة مقبلة.